تعيش الحركة الإسلامية بالمغرب تحولات عميقة على مستويين أساسيين: الخطاب والممارسة، وهذه التحولات ساهمت في ظهور ممارسات علمانية داخل البنية المحافظة للعمل الإسلامي بسبب التجديد النظري والعملي لقضايا عدة أهمهما " الحريات الفردية، قضية المرأة ، المشاركة السياسية، ..الخ "،وسنركز في هذا المقال على قضية المرأة لاعتبارات عدة أهمها تلك الأدوار التي تقوم بها المرأة داخل المجتمع من بناء مؤسسة الأسرة وتأسيس لقيم التضامن داخل المجتمع والدفع نحو ترغيب النساء على محاربة الأمية ومحاربة اليأس الاجتماعي عبر المشاركة الفعلية في مؤسسات الدولة.
على مستوى الخطاب :
يعد سعد الدين العثماني ،أحد منظري العمل الإسلامي بالمغرب، بالإضافة إلى تكوينه الطبي فالرجل معروف كذلك بتخصصه الفقهي وله مؤلفات عديدة قاربت مواضيع كثيرة من منظور تجديدي ساهمت في تحرير عقل أبناء العمل الإسلامي من التبعية للتراث التقليدي مقابل التمسك بنفس تجديدي قادر على فهم الأمور فهما معاصرا لا تقليديا ،وتعتبر قضية المرأة أهم القضايا التي تناولها الفقيه المجدد د سعد الدين العثماني عبر مؤلفه " قضية المرأة ونفسية الاستبداد " الجدير بالقراءة ، مؤلف أقل ما يمكن أن نصفه هو أنه مرجع مؤصل وجامع لقضية المرأة ويعد مفتاحا قويا لتحرير المرأة من عبث التقليد ومن نفسية الاستبداد ،و نجد في هذا المؤلف تحديدا دقيقا للرؤية الاسلامية في مسألة المرأة يتركز على ثلاث أصول ترسم خط التشريع العام وتنظم عموم أحكامه، أصول لا تتنافى مع روح العلمانية كما سيتضح ذلك في معرفة هذه الأصول ، فالأصل الأول هو المساواة وهو أهم مبدأ رسخه عصر الأنوار ،فالعثماني اعتبر أن نصوص الشرع لم تميز في الأحكام بل حتى في الواجبات والحقوق بين الرجل والمرأة "ص13-19 من الكتاب، منشورات الزمن "،هذه المساواة التي قال فيها العثماني أنها أصل الأصول في النظر إلى قضية المرأة في التشريع الإسلامي ليست بالتأكيد مساواة ميكانيكية ولا مماثلة إذ لا تعني إطلاقا إلغاء الخصوصيات ،وهنا تجدر الاشارة إلى أنه هذه الخصوصيات قد تستغل في إجهاض حقوق المرأة وذلك باسم الدين أو التقاليد أو طاعة الزوج .
وعن الأصل الثاني فحدده صاحب الكتاب في "الاستقلالية " ،إذ هو نتيجة طبيعية للأصل الأول ،معللا ذلك بأن حكم المرأة هو حكم الرجل ،بالتالي المرأة مستقله عنه لا تابعة له بالضرورة، وتتجلى هذه الاستقلالية في اختيار اللباس والتخصص الدراسي واختيار الزوج وغيرها من الأمور التي تنفرد بها المرأة مستقلة عن غيره الرجل ..
أما الأصل الثالث فهو المشاركة ،وهو نتيجة طبيعية عن الأصلين الذي ذكرناهما ،فإذا تحققت المساواة وتوفرت الاستقلالية فمن اللازم ان تختار المرأة حق المشاركة ،مبررا ذلك أن المرأة كانت في العهد النبوي تحضر لصلاة الجماعة وصلاة العيدين وتلازم مجالس العلم كما تشارك في اجتماعات سياسية .
ولخص منظر الحركة الاسلامية هذه الأصول الثلاث في مقولة فريدة تستحق أن تكون شعارا للحركة النسائية الاسلامية " مساواة لا تمييز ،استقلالية لا تبعية، مشاركة لا تهميش".
لكن هذه النظرة التجديدية الثائرة هل لها تأثير في البيت الداخلي للحركة الاسلامية ؟أم أن هذا الامر بقي حبرا على أوراق العثماني وغيره من التنويريين داخل العمل الاسلامي؟،الجواب يقتضي ملاحظة الواقع العملي أي الممارسة .
على مستوى الممارسة :
بعد النظرية تتجسد الممارسة، ويبقى ذلك السؤال التاريخي هل فعلا النطرية تترجم حقيقة إلى واقع ؟،فعلا المسألة تحتاج إلى أخذ الحيطة والحذر في تحليل واقع قضية أساسية مثل قضية المرأة خصوصا إذا كان الأمر يتعلق ببيئة محافظة تنطلق من الدين مرجعا .
فعلا وبالرغم من التطور الحاصل اليوم داخل البيت الاسلامي ،وبالرغم كذلك من تحرير جزء مهم من القناعات المرتبطة بحرية المرأة في مجالات عدة من لباس ومشاركة سياسية وتأطيرا جمعويا ،فلايزال هناك تخلف في تعامل الحركة الاسلامية مع قضية المرأة، لاتزال العقلية المهيمنة هي عقلية السيطرة والتبعية ،عقلية تراثية تنظر للمرأة كمشروع للزواج ،كسلعة وبضعة تسخر للمناضلين متى أرادوا .
لاتزال المرأة في ذهنية الحركة الاسلامية لا يجب أن ترفع صوتها ولا تتكلم في التجمعات وإنما لتزيين القاعات ولملء الفراغ لا أقل ولا أكثر ،وهذا واقع لا يرتفع.
مازالت المرأة تنتظر بفارغ الصبر الزوج وذلك همها الأكبر وهو مشروعها الدنيوي والديني فتجد نفسها حبيسة حلم الزواج غير قادرة على التحرر من أغلال مؤسسة الزواج، فهي تابعة لها ومستعبدة من اجلها.
إذن فالمرأة مازالت مؤسسة منزلية تولد وتربي وتشيخ، وإذا قدر لها المشاركة السياسية فالعقلية المهيمنه تجعلها تابعة لرغبات الرجل مما يجعلها تدافع عن قرارات ليست في مصلحتها وتعارض قرارات هي مصلحتها "خطة المرأة -الاتفاقيات الأممية التي تخص التمييز ضدها ،اتفاقية سيداو ..إلخ".
لكن وفي المقابل لابد ان نشير إلى مسألة غاية في الأهمية وهي أن شباب الحركة الإسلامية تمردوا بفعل مواقع التواصل الاجتماعي على كل القيود وبدأوا رحتلهم التحررية من عالم الضيق التنظيمي إلى سعة مواقع التواصل الفايسبوكي ،ومظاهر هذا التمرد متجلية في الصور المنشورة والتحديثات المكتوبة في كل آن ،إلا أن هذا التمرد لا يصطحبه تمرد فكري نظري ،بذلك يبقى تمردا عاطفيا لحظيا .
علال الفاسي وتحرير المرأة :
الحديث عن المرأة في ذاكرة المغاربة يعود بنا إلى زمن التحرر ،زمن المقاومة الوطنية للاستعمار الفرنسي ،حيث نتذكر آراء تقدمية للفقيه والمثقف العضوي علال الفاسي، الذي أكد أن المرأة يحب أن تتمع بما يتمتع به الرجل من حقوق ، وأن تقوم بما يقوم به الرجل من واجبات ،ومن رأيه أن في أن الاسلام احتفظ للمرأة بكامل شخصيتها ، ومن تأكيده على أن المرأة مخاطبة بالشريعة والدين كالرجل .
بل يوكد أكثر من هذا رأي الاسلام في حقوقها المدنية : التملك ، التدبير والتصرف وتكوين العلاقات في المسائل العامة .. وغيرها من الحقوق التي مازالت الحركة النسائية تسعى الى تحقيقها ، بل تدخل في صراعات هوياتية مع الحركة الاسلامية حيث تتهما بالرجعية في التعامل مع قضية المرأة ، بدون أدنى وعي بأن من مؤسسي هذا الحركات الاسلامية زعيم وطني يحمل فكر رشيد له آراء تعتبر تقدمبة بالنظر الى زمنها والى زمنا ، هذا الزعيم هو صاحب النقد الذاتي ،الشيخ علال الفاسي.
ومن بين آرائه الثورية تجريم التعدد ، وهي مسألة غاية في الأهمية ، خصوصا علال الفاسي رحمه الله يستحضر المسألة الاجتماعية بقوة في اجتهاداته وتقديراته ويستحضر الواقع فهما وممارسة ،وهو ما ينقص الكثير من فقهاء عصرنا الذين ينظرون بمرآة المال والسلطة والجاه بدل العقل ..
بذلك تكون مسألة تحرير المرأة في المغرب قطعت أشواطا مهمة مقارنة مع دول الجوار أو مع الدول العربية المشرقية ،فمنذ تأسيس جيش التحرير الذي كانت فيه المرأة محور الأمان والسرية والحفاظ على السلاح ونقله للمقاومين ،إلى الحركة الوطنية التي ساهمت فيها المرأة المغربية بآرائها وبنضالها مع أحزاب الحركة الوطنية ، إلى تأسيس الحركة النسائية ، ثم إلى تكريس تلك الحقوق بقوة في دستور 2011 ، هي مراحل مختصرة لكن لها عمق نضالي وسياسي ساهم في تحرير المرأة.
صدق من قال " إذا أردت أن تعرف مدى تقدم مجتمع ما أو دولة ما أو جماعة ما فأنظر إلى وضعية المرأة".