في ظل المطالبات التي تظهر بين الحين والآخر من قبل البعض ، بهدم آثار الشعوب التي سبقتنا، والتي عادة ما تطال متخصصة مثلي في مجال الحضارات القديمة، أجدني أتذكر عبارة كنت أرددها على طلابي عندما أحلل معهم المادة الأثرية أو النص الأدبي الذي عادة ينتمي إلى فترة تاريخية قديمة بحكم التخصص، تلك العبارة التي لا تغيب عن ذاكرتي "لا تنظروا إلى الأثر بل تأملوا البشر الذي صنع هذا الأثر"...
فنحن عندما نتأمل آثار الحضارات القديمة، لا بد وأن ندرك أننا بحاجة ماسة إلى الاقتراب من البشر الذي صنع هذا الأثر؛ سواء كان أثراً ماديّاً متمثلاً في العمارة والنحت والعملات وغيرها ، أم أثراً كتابيّاً - أدبيّاً أو غير أدبيٍّ - متمثلاً في كتابات شعرية، ونثرية، وخطب، ورسائل، وغيرها.. فعندما نرى الأثر لابد أن نتأمل البشر الذي صنع الاثر، لإن الأثر لا يمكن أن ينفصل عن الإنسان الذي صنعه؛ فخلف كل مبنى ونقوش وعملة إنسان، وخلف كل خطبة أو قصيدة إنسان، بشر أراد أن يجسد رؤيته وفكره وعقيدته، التي قد نختلف معها كمتلقّين لها، وقد يختلف المتخصصون حول تقييمها، ولكننا في النهاية يجب أن نتلقاها آخذين في اعتبارنا المرحلة التاريخية التي صنع فيها الأثر، والاعتبارات الدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها التي شهدها العصر الذي أنتج لنا هذه الآثار المادية أو الكتابية. فالأثر هو السفير لأية حضارة بشرية، والمرآة التي تعكس لنا روح الزمان والمكان الذي شهد تطور هذه الحضارة.
فقد خلفت الحضارات القديمة ثروة كبيرة من الإنتاج المادي والأدبي، عكست قيماً، ومعتقداتٍ، وعاداتٍ، وتقاليدَ، ولغات وأزياءً، واقتصاداً، وسياسة، وغيرها.. لشعوب أرادت من خلال هذا الانتاج بشقيه أن تعبر عن محتواها الثقافي.
وأشار القرآن الكريم إلى حضارات وشعوب وأقوام ومواقع شهدت أحداثاً تاريخية تعرفنا من خلالها على من سبقونا من البشر..
ألم يأن للذين يطالبون بهدم آثار الحضارات القديمة ومحوها، بأن ينظروا إليها على أنها آثار خلفها لنا أقوام عبروا بها عن عوامل جغرافية أو اجتماعية ودينية واقتصادية وغيرها من العوامل التي أحاطت بتلك المجتمعات. بل وأثروا وتأثروا بمن سبقوهم أو عاصروهم ...إننا بحاجة إلى الإطلاع على ما خلفه من سبقونا من آثار لنتعرف على هؤلاء البشر الذين خلفوا لنا الأثر فغالباً ما يعيد التاريخ نفسه كما يقولون..وللحديث بقية،،،،
عبير الكلمات:"دائماً تمنحنا المبادرة الثقة والطموح.. فالمبادرة هي سلاح الأقوياء، فهل ترغب أن تنضم إليهم لتبادر بتقديم عملاً إيجابيا يترك أثرا يقتفيه الآخرون" .