اصدرت منسقية منظومة المرأة الكردستانية KJK بيان صحفي تلقت وكالة أخبار المرأة نسخة منه بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.
مفيما يلي نصه:
لقد تطور استعباد المرأة واستعمارها تاريخياً بالتأسيس على ممارسات العنف والقمع والاغتصاب الشاملة. لم يكن ممكناً فصل البشرية عن خصائص المجتمع الأمومي، لولا أساليب العنف الوحشية التي مارسها الرجل. ومقابل ذلك، فإن تاريخ الإنسانية مليء بمقاومات النساء بصورة خاصة، وبمقاومات العشائر والقبائل والمذاهب والمجموعات العقائدية والكلانات والشعوب التي تتحلى بالخصائص والطبائع الأمومية. لكن النظام الذكوري المهيمن قد طمس تاريخ تلك المقاومات على الدوام، وعمل على نسفه، ثم إرفاقه بالتاريخ المهيمن وطرحه بصورة مشوهة ومحرَّفة. وعليه، فإنه لم يسلَّط الضوء تماماً بعدُ على مرحلة الانتقال التاريخي من النظام الأمومي بكل مقومات الحياة الندية الحرة إلى نظام العبودية والزواج الرسمي الذي حبس المرأة في البيت ووصل ذروته في عهد الحداثة الرأسمالية. حيث للمرأة تاريخها على درب الدفاع الذاتي والمقاومة والحرية بالتوازي مع تاريخ استعباد المرأة.
وعليه، فإننا نستذكر بهذه المناسبة كل النساء المستشهدات أثناء نضالهن في سبيل بناء غد مشرق وحر، واللواتي كنّ ضحايا العقل الذكوري والسلطة الذكورية، وفي مقدمتهن الأخوات ميرابال اللواتي صمدن في وجه العنف الذي ينتجه النظام الأبوي باستمرار. ونجدد عهدنا في ذكراهنّ بأن نكون لائقات بهن من خلال التأسيس لغد واعد مفعم بالحرية والمساواة والديمقراطية. ونحَيّي بعنفوان وحماسٍ كل امرأة ثورية وكل ناشطة ومقاتلة ومناضلة تنشط وتكافح وتحارب في جميع أنحاء العالم في سبيل حريتها. ونحَيّي بفائق التقدير والاحترام أمهاتنا اللواتي صمدن في وجه الفاشية، وفقدن أقاربهن وأطفالهن بسببها. ونقول لهن: إن نضالنا على درب حرية المرأة سيُمكِّن من تصعيد المقاومة العالمية في وجه الفاشية التي تمثل قمة العقل الذكوري، وسيؤسس لحياة حرة ومتساوية وعادلة بريادة المرأة.
إن نسبة العنف المطبق على المرأة في راهننا تفوق ما كانت عليه في كل العصور. حيث تعيش المرأة محفوفة بخطر العنف في كل يوم، بل وفي كل لحظة. فبعد القرن العشرين الذي شهد حالات عنف وحشية إلى درجة الإبادات الجماعية، قد ولجنا القرن الحادي والعشرين شهوداً على حرب عالمية جديدة. ومنطقة الشرق الأوسط تعد مركز هذه الحرب العالمية الثالثة التي ما تزال مستمرة. حيث تتموقع فيها كل القوى الدولية المؤثرة عالمياً ضمن توازنات معقدة من العلاقات والصراعات، وتحسب حسابها لبسط نفوذها على المنطقة. أما القضية المحورية العالقة، فهي قضية تحرر الكرد الذين يناضلون بدأب على نهج حرية المرأة وبريادة المرأة. إن كردستان التي تتمركز فيها رحى الحرب العالمية الثالثة راهناً، تعد في الوقت نفسه المكان الذي يُبنى فيه النموذج البديل المخول لوضع حد نهائي للأزمات والحروب وحالات الفوضى المسلَّطة على منطقة الشرق الأوسط منذ قرنين من الزمن. ذلك أن الكرد يعملون على تكريس مشروع الأمة الديمقراطية، والذي هو مشروع الحياة المشتركة مع كافة الشعوب الأخرى. وهم بذلك يحاربون الحداثة الرأسمالية التي تسعى لبناء ذاتها في المنطقة منذ مئتَي عام على شكل دول قومية مرتكزة إلى النزعات القومية والدينية والمذهبية والجنسية المتطرفة. ولهذا السبب، فإن الهجمات التي تستهدف الكرد، هي في مضمونها محاولات لعرقلة تطبيق العصرانية الديمقراطية كبديل جذري في منطقة الشرق الأوسط. إنّ تطوُّر الكونفدرالية الديمقراطية والعصرانية الديمقراطية بريادة المرأة، يفرغ السياسة الاستراتيجية "فرق – تسد" التي ينتهجها النظام الحاكم من مضمونها. ولهذا السبب بالتحديد تتم مواجهة مشاريعنا بشأن الكونفدرالية الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية التي نسعى لتكريسها في كردستان عموماً وفي روجافا وباكور خصوصاً. لكن، ورغم ذلك، بل وتأسيساً على ذلك ثمة الآن في منطقة الشرق الأوسط مقاومة نسائية عظيمة تتصاعد بريادة المرأة الكردية. إن مقاومتنا النسائية تُهيئ الأرضية من الآن لإنجاح ثورة المرأة استناداً على ذهنية الحرية. وعليه، فإننا نعيش فترة حرجة نجحت فيها الذهنية الذكورية التحكمية بمأسسة ذاتها على الأكثر في هذه المنطقة، ولكنها فترة تصاعدت فيها بالمقابل وقفة المرأة الحرة في وجه تلك الذهنية الذكورية.
ثمة عنف ممنهج ومخطط ومنظم تطبقه القوى المدنية الذكورية على جنس المرأة في يومنا الراهن. وهذا العنف يصل إلى مستوى حرب تتصاعد حدّتها مع مرور كل يوم. إننا نعيش عهد "نهب المرأة" الذي وصل فيه العنف ضد المرأة حدوداً وحشية وتغلغلت فيه الدولة والسلطة إلى كل شرايين المجتمع الدقيقة. ولا شك في أنه لا يمكن الفصل بين مدى الهجوم السافر الذي يشنه النظام الذكوري على المرأة والعنف المنظم الذي يصل حد الحرب الشنعاء من جهة، وبين مساعي الحداثة الرأسمالية لأجل تجذير الاستغلال وتمكين سيرورتها اعتماداً على ذلك من الجهة الأخرى. ذلك أن شتى أنواع الاستغلال التي نشهدها في الكون الذي نعيش عليه (بدءاً من استغلال الأفراد وحتى المجتمعات، ومن استغلال الشعوب وحتى الأمم، ومن استغلال الطبقات وحتى الجغرافيا، ومن استغلال الطبيعة وحتى الغلاف الجوي)؛ إنما تنبع من استغلال روح المرأة وجسدها وكدحها. وفي الوقت نفسه، فإن الحداثة الرأسمالية التي تعاني من الأزمات مقابل وعي الحرية ونشاطات التحرر المتصاعدة لدى المرأة، إنما تشن هجومها على المرأة بسبب ذلك وأكثر من أي وقت مضى. ولذلك نجد أن المرأة تتعرض للعنف والاعتداء والاغتصاب والموت بدرجة غير مسبوقة في كافة أنحاء العالم. هذا ولم تصل نسبة تطبيق الإتجار بالجسد والمخدرات على المرأة والشباب والأطفال إلى هذه الدرجة في أي وقت سابق. ولم تشهد كرتنا الأرضية سابقاً مثل هذا الكم من الموجات الهائلة من حالات الهجرة الجسدية، والتي تحولت إلى سوق للإتجار بالإنسان، بل وإلى سوق نخاسة. حيث إن قوى الحداثة الرأسمالية والدول التي تعرِّف نفسها على أنها قوى عالمية عظمى، وبفضل موجات الهجرة تلك، تستحوذ لنفسها على اليد العاملة الرخيصة وعلى العصابات ومافيات الدعارة والمخدرات ومافيات التجارة بالأعضاء البشرية. ولذلك، لم نرَ أصحاب الذهنيات اللاإنسانية، المتجمدة، الباردة والمرتكزة إلى منطق المزيد من الربح الأعظم وهي تنشط إلى هذه الدرجة وراء المكاتب. وعلى الرغم من اختلاف الشكل المتبع في فرض العنف الممنهج على المرأة في مختلف أرجاء العالم (بدءاً من ممثلي العقل الذكوري الأكثر فظاظة مثل داعش وبوكو حرام وحتى ختان المرأة، من الزواج المبكر وحتى الجنايات المرتكبة تحت اسم الشرف، ومن مشكلة الإجهاض وحتى رفض حق المرأة في التمتع بالمساواة والحرية)، إلا إن إرهاب الدولة الذكورية يطبَّق على المرأة بكل إجحاف وتعسف وفي كافة مجالات الحياة. إن قضية المرأة هي نفسها مضموناً في كافة أنحاء العالم، حتى ولو تغير لونها أو شكلها. حيث تتعرض المرأة في كل مكان للعنف والاعتداء والاغتصاب والعطالة والهجرة، وتعاني من استغلال كدحها كيد عاملة رخيصة، ومن الحرمان من التعليم أيضاً على يد الرجل الظالم والجائر. وبهذا المعنى، فإن المرأة تُستغَل بأبعاد مختلفة ومتعددة من قبل النظام الذكوري المهيمن.
إن "اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة" في 25 من شهر تشرين الثاني، وكذلك "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" التي تم إعلانها في هذا اليوم؛ ليست في حقيقتها سوى مقاربات لإخفاء عورة البشرية والتستر عليها. وما التنصل من القيام بالنشاطات المثمرة والمؤثرة بشأن قضايا المرأة المستفحلة سوى مؤشر واضح على ذلك. حيث إن تخصيص بعض الأيام لأجل الكفاح ضد عبودية المرأة المستشرية في جميع مجالات الحياة، والاقتصار على توقيع بعض الاتفاقيات فحسب، هو في الأصل مقاربة إشكالية ينبغي تجاوزها بالتأكيد.
لقد وافقت هيئة الأمم المتحدة على "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" في 25 تشرين الثاني من عام 1999. إن العنف ضد المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان. ينص "إعلان الأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة" على أنه: (يعني تعبير "العنف ضد المرأة" أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة). ولكن العنف ضد المرأة هو في الحقيقة أعمق من ذلك بكثير، وأكثر منهجيةً وله خلفية تاريخية تصل حتى يومنا الحالي. ولا يُراد رؤية هذه الخلفية أبداً. ولأجل ذلك، فإن النشاطات القائمة دعماً للمرأة في أماكن مثل الأمم المتحدة لا تجدي نفعاً، فتبقى شكلية ورمزية.
وعلى الرغم من تطور وسائل الإعلام والنشر والتواصل، فإن ما نراه أو نسمع به نسبياً من أبعاد العنف المطبق ضد المرأة، لا يمكن وصفه حتى بـ"الجزء الظاهر من الجبل الجليدي"، وذلك بسبب السياسات الإعلامية الجنسوية التي تحمي مصالح الرجل أساساً. إن العنف ضد المرأة وسياسات استعباد المرأة هي من أقدم وأهم القضايا التاريخية. ويكمن العنف ضد المرأة وراء كل الحروب ووراء شتى أنواع العنف الاجتماعي. لذا، ومن دون سد الطريق أمام كيفية استخدام مفهوم العنف ضد المرأة، لا يمكن النضال ضد الفاشية والحروب واللامساواة واللاعدالة. ومن دون تحرير المرأة أولاً، لا يمكن تحرير المجتمع بالتأكيد.
لدى النظر إلى ما تعاني منه المرأة سواء في منطقة الشرق الأوسط التي نعيش عليها، أو في أفريقيا أو آسيا؛ فسوف نفهم وضعها والمشاكل التي تعيشها على نحو أفضل وأكثر وضوحاً. ذلك أن السياسات الممارسة تجاه المرأة في بلدان الشرق الأوسط (في تركيا وإيران وأفغانستان على سبيل المثال وليس الحصر)، هي سياسات تهدف إلى تجريد المرأة من إرادتها وإلى إقصائها وتهميشها كلياً. وبسبب حرب الحرية التي نخوضها بريادة المرأة الكردية في الجغرافيا التي يحيا عليها شعبنا الكردي، فإن السياسات التعسفية والجائرة التي تمارسها الدولة التركية متجسدة في ممارسات أردوغان وحزب العدالة والتنمية AKP تتجلى في أحداث كثيرة من قبيل: حبس المرأة في المنزل، اعتبارها مُلكاً، استهداف النساء المناضلات في سبيل حريتهن، قتل المناضلات والتنكيل بجثثهن مثلما حصل في مثال الشهيدة أكين وان، بدء حملات الاعتقال التي تستهدف نظام الرئاسة المشتركة الذي يعد أفضل تعبير عما وصلته المساواة والحرية لدينا من مستوى راقٍ، وتعيين الشخصيات المتواطئة لرئاسة البلديات وغير ذلك. بل إن تشكيل وزارة لا يتم فيها حتى ذكر اسم المرأة في تركيا، إنما يكشف للعيان كيفية تناول قضية المرأة هناك. ومؤخراً أرادت حكومة أردوغان وحزبه AKP أن تضفي الرسمية على سياساتها الفاشية من خلال تمرير "قانون الاعتداء الجنسي". ولكن عندما لاقت معارضةً نسائية جادة ومقاومة مجتمعية بارزة، تراجعت عن المصادقة على قانونها هذا.
أما في إيران، فيتم سد الطريق أمام تطور المرأة، وتُحرَم من حقها في التعليم في بعض الكليات الجامعية، ولا يُسمَح لها بالتحرك من دون مرافقة رجل لها، ويُعمَل على عرقلة المبادرة لأية معارضة نسائية محتَمَلة من خلال الممارسات اللاإنسانية من قبيل المعاقبة بالإعدام أو دفعها إلى الدعارة أو تعاطي المخدرات.
من جانب آخر، فإن إرهاب داعش ما يزال مستمراً بكل وحشيته ضد النساء والشعوب والأثنيات والأديان والمذاهب من كُردٍ وسريان وكاكائيين وشبك وإيزيديين ومسيحيين. حيث إن هجوم داعش على شنكال (سنجار)، واستحواذه على النساء الإيزيديات كغنيمة حرب، وأَسره الآلاف منهن، وفرض الأسلمة عليهن بالاغتصاب والاعتداء؛ قد جرى أمام مرأى العالم أجمع. إن سياسة الإبادة هذه التي مورست ضد شعبنا الإيزيدي عموماً وضد نسائه خصوصاً، تهدف في الوقت نفسه إلى سد الطريق أمام مساعي النساء لأجل التحرر. أما شكل التعاطي مع وضع النساء الإيزيديات من قبل القوى التي تَعتبر نفسها تقدمية ومدنية، وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة؛ فإنها لا تذهب في معناها إلى أبعد من زيادة وطأة المشكلة أكثر مما هي عليه. في حين أن "الحل" الذي طرحته القوى الكبرى بعد مجزرة شنكال، لا يتعدى كونه محاولة لنقل هذا الشعب الأكثر عراقة وأصالة في العالم إلى المتروبولات الأوروبية بهدف دمجه مع الثقافات الغريبة عنه. وهكذا يتم إزالة مجتمع ما من الوجود بثقافته ولغته وعقيدته.
مقابل ذلك، فإن المقاومة الباسلة التي أبدتها المرأة الكردية ضد داعش متجسدةً في مقاومات "وحدات المرأة الحرة عشتار YJA-STAR" و"وحدات حماية المرأة YPJ"، قد لاقت قَبولاً وتقديراً كبيرَين من قبل العالم أجمع. أما الحقيقة الكامنة وراء هذه البطولة والروح الفدائية النسائية، فهي أفكار الحرية الراديكالية النسائية التي تهدف إلى إعادة إنعاش الحياة في ميزوبوتاميا اعتماداً على عقل وقلب وكدح المرأة. أي أنه يُعاد خلق الحياة هنا على يد المرأة. إن أحد أسباب زيادة نسبة العنف ضد المرأة مع حلول أعوام الألفين، هو زيادة الوعي والنهوض تصاعدياً لدى المرأة الكردية أولاً، ولدى كافة نساء الشرق الأوسط والعالم ثانياً. ذلك أن النظام الذكوري المهيمن يشعر بالخوف والذعر والارتياب من تحرر المرأة. إن قوات "وحدات المرأة الحرة عشتار YJA-STAR" و"وحدات حماية المرأة YPJ" و"وحدات حماية المرأة في شنكال YJŞ" و"وحدات حماية المدنيين النسائية YPS JİN" قد تصدت ببسالة كبرى لأعتى تنظيم إرهابي ودموي في العالم، لتقدم للجميع نموذج الجواب الأمثل. وهنا نستذكر بهذه المناسبة الشهيدة سرهلدان (زهرة أبيل) التي أضرمت النار بجسدها مؤخراً في سجن غابزة بتركيا، لتجسد بعمليتها هذه جواباً وصفعة كبرى لفاشية الدولة التركية وللسلطة الذكورية المهيمنة. ولكننا كحركة المرأة نؤكد على أننا لا نقبل ولا نوافق بأي شكل من الأشكال على عمليات حرق الذات. بل نؤمن تماماً أن مقاومة المرأة لا يمكن أن تتعاظم وتتصاعد إلا على الصعيد الفكري والعملي وبتكريس التطور التنظيمي النسائي الخاص. إن الرفيقة سرهلدان قد تحملت مهاماً ريادية في نشاطات المرأة الشبيبية. وعليه، فسوف نُحيي وقفتها ونضالها وذكرياتها في تاريخ نضال حرية المرأة. وعليه، فإن أفضل جواب نعطيه للبشرية جمعاء باسم المرأة الكردية بمناسبة يوم مناهضة العنف ضد المرأة لهذا العام، سيكون بتصعيد نضال الحرية وتوسيع آفاقه أكثر فأكثر.
إننا كنساء كردستانيات ما نزال نواظب على جهودنا على هدى المنظور الذي طوره قائدنا عبد الله أوجالان في سبيل حرية المرأة. ذلك أن نظريتنا الديمقراطية والأيكولوجية المؤمنة بحرية المرأة هي نظرية تفتح الآفاق أمام نساء العالم كافة وإلى أقصى الحدود. ومع هذه النظرية والبراديغما يظهر إلى العيان منظور الحل البالغ الأهمية بالنسبة إلى نضالات وحركات حرية المرأة، وذلك على صعيد التعمق الأيديولوجي وتشكيل التنظيم والتأسيس للدفاع الذاتي.
ثمة حاجة ماسة لخوض نضالات مشتركة ومنظمة وشاملة لمناهضة العنف ضد المرأة والقضاء عليه في كافة المجالات الحقوقية والاقتصادية والثقافية والأيكولوجية وفي مجال الدفاع الذاتي، وذلك اعتماداً على الحركات والأحزاب والمنظمات النسائية المؤمنة بتاريخ المرأة وبتاريخ نضالاتها. فإلى جانب أهمية تحرر النساء كحالات انفرادية من عنف الرجل، إلا إنه ينبغي علينا تطوير نشاطات جماعية وراديكالية أفضل بكثير تأسيساً على النضال المشترك والتنظيم المشترك والتعاون والتعاضد فيما بين النساء. ولكي نتمكن من تكوين ذهنية الحرية لدى المرأة، فإنه يتعين علينا أولاً تنظيم الأنشطة الأكاديمية والتعليمية اللازمة. إن تحرر المرأة يمر من النضال المشترك والمنظم بين النساء، ويمر من تنظيم الدفاع الذاتي للمرأة. إن المرأة غير المنظمة هي امرأة بلا حماية.
إن تكريس مفهوم الدفاع الذاتي الراديكالي ممكن من خلال تأسيس النساء لنظامهن النسوي الذي يقتضي بدوره تشكيل الكومونات والمجالس المنتشرة حتى أصغر الخلايا المحلية. ذلك أن المرأة التي تم بعثرة تنظيمها وإضعاف دفاعها الذاتي، قد باتت منفتحة على الاستعباد بطبيعة الحال. ولدى الإمعان في النظام القائم الذي نعيش في ظله، سنجد مباشرة أن الرجل قد نظّم ذاته كماً ونوعاً في كافة التنظيمات. لذا، يتوجب على النساء تشكيل تنظيماتهن الخاصة وشبه المستقلة بدءاً من الوحدات الصغيرة وحتى كافة ميادين الحياة. ذلك أن مشاركتنا في الساحة الاجتماعية يجب أن تتأسس على هوية المرأة المنظمة وعلى مبادئ الحرية، وليس على الهويات النسائية الفردية. بالتالي، فإن أهم موضوع علينا طرحه بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، هو تطوير التنظيمات النسائية المجهّزة بذهنية الحرية الراديكالية في كافة مجالات الحياة وعلى جميع الأصعدة. وعليه، فإن تصعيد النضالات النسائية وتأسيس الأرضية للأنشطة المشتركة (كالمؤتمرات والمحافل المشتركة) على صعيد الشرق الأوسط أولاً وعالمياً ثانياً؛ يعد حاجة مصيرية للغاية. وبمعنى آخر، ثمة حاجة ماسة جداً للنضال والتعاون المشتركَين للقضاء على العنف والتمييز ضد المرأة، سواء عالمياً أو شرق أوسطياً.
وعلى هذا الأساس، فإننا كحركة حرية المرأة الكردية نناشد جميع النساء والشرائح المقهورة لخوض النضال المشترك وتمكين التعاون والتعاضد في هذا اليوم ضد النظام الذكوري المهيمن. ذلك أن النساء لن يحرزن النجاح إلا بالنضال المشترك في وجه العنف والتمييز الممارسَين ضد المرأة. إن العنف جريمة ضد الإنسانية. وقد مورس ضد المرأة أولاً. لذا، فإن قول "كفى للعنف ضد المرأة" يعني في مضمونه التأكيد على "كفى للعنف ضد المجتمع". وعليه، فإن المهمة الأساسية التي تنتظرنا في مواجهة الفاشية الذكورية المتصاعدة، تتجسد في تصعيد المقاومة الشاملة في كافة المجالات. لن تصمد أية فاشية ذكورية في وجه المقاومة الراديكالية للمرأة المنظمة.
إننا كنساء بحاجة إلى نظام يتطلع أولاً إلى تكريس الحياة المفعمة بالحرية والمساواة، وينجح في توطيد الدفاع الذاتي لحمايتنا من شتى أنواع ممارسات العقل الذكوري المشحون بالعنف. أما الخطوات الأولى على درب التحرر، فتتمثل في العمل الدؤوب على إنجاح ذلك، وأن نمضي قُدُماً في هذا الطريق. إذ بمقدور المرأة أن تصعِّد من مقاومتها، وأن تغوص أكثر في أفكار الحرية كي توفق في ريادة التحول والتغير المجتمعي المطلوب. وعليه، فعلينا نحن النساء أن نحصّن أنفسنا تأسيساً على ذلك بمبادئ وقيم الحرية والمقاومة في كافة نشاطاتنا ومواقفنا ووقفاتنا، وأن نصعِّد من نضالنا، وأن ننسف العدو وندحره بكل تداعياته وأشكاله، سواء من أرواحنا وعقولنا أو من أراضينا. علينا أن نعيد بناء الحياة المفعمة بالحرية والمساواة والعدالة، والمبنية على صداقة البيئة والدفاع الذاتي.
منسقية منظومة المرأة الكردستانية KJK
25 تشرين الثاني 2016