تعمل العديد من المنظمات المحلية والدولية على التركيز بالعمل على الفتيات والنساء وقضاياهن من أجل المساهمة في التخفيف من العنف المبني على النوع الاجتماعي، وهو أمر مطلوب وضروري لتسليط الضوء على الخلل المجتمعي في ممارسة العنف بكافة أشكاله على الفتيات منذ النشأة الاجتماعية إلى تهميشهن في دائرة العمل السياسي.
وهنالك المئات من الأبحاث التي تعكس واقع النساء وتجاربهن المريرة في التزويج المبكر والحرمان من التعليم والاكراه على ترك مرحلة الطفولة لمرحلة تكوين الأسرة دون النضوج العقلي والجسماني والعاطفي، والوقوع في دائرة مستمرة من العنف الأسري والمجتمعي والمؤسساتي لحرمانهن من التعليم والحق في العمل، وعدم تكافؤ الفرص والتخصص في التعليم وحرمانهن من الإرث أو الزواج أو حرية الحركة والتنقل، حتى وجودهن في دوائر صنع القرار في دائرة مفرغة من عدم العدالة المجتمعية منذ البدء، ومن ثم وجودهن في دائرة الاستهداف فيصبحن غالبا ضحايا.
وتسرد الأبحاث والدراسات وتؤكد البيانات الإحصائية على تعرضهن لكافة أشكال العنف من العنف اللفظي إلى الجسدي بكل أنواعه إضافة للعنف الاقتصادي والسياسي، ومن ثم وجدت المؤسسات والمنظمات النسوية نفسها في مستوى التدخل الدائم للكشف عن حجم العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات، والانتهاكات التي يتعرضن لها، وحاولت العديد من الدراسات تحديد سبل التدخل والتخطيط المستمر والدائم للتخفيف من العنف المبني على النوع الاجتماعي، ووضع استراتيجيات عمل لكل مجتمع بما يلائمه ثقافيا واجتماعيا، وفي المقابل كثيرا ما تسألت الحقوقيات والناشطات لماذا يزيد حجم العنف رغم كل التدخلات وخطط العمل، بالتأكيد أن الكشف عن الانتهاكات وما تعانيه النساء أصبح ممكنا بسبب العديد من العوامل المحفزة والمشجعة لذلك منها: وعي النساء بأن ما يتعرضن له عنفا، وليس امتدادا مجتمعيا مقبولا، بالإضافة إلى العمل الدؤوب لهذه المؤسسات لتوعية وتثقيف النساء، وإيجاد أدلة وأماكن تمكنهن من الاستشارات المجانية الهادفة، واضافة لذلك وجود جيل من الناشطين والناشطات الحقوقيين إضافة إلى وجود وسائل الاعلام على اختلافها، وكسر تابوه الصمت والسكوت والانغلاق وكأنها قضية مرأة فقط أو قضية مؤسسات نسوية، بل نجحت المؤسسات في جعلها قضية مجتمعية هي شأن للرجال والنساء معا.
إضافة لذلك وجود المؤتمرات وورش العمل والطاولات المستديرة والتدريبات خلقت مساحة للحوار وللإصغاء ومعرفة الكثير من القضايا الخفية التي قد لا يصلها إلا الباحثين أو الصحافيين أو العاملين والعاملات في كل ما يتعلق بقضايا العنف، وهو أمر ينبغي الوعي به، لأنه لا يمكن اعتباره مبتذلا وكأن هنالك نوع من التكرار لأن هنالك فئات مختلفة وأجيال جديدة لازالت لا تعرف الكثير وبحاجة إلى الوعي والفهم الحقيقي لقضايا المرأة والمجتمع.
لكن المهم في المستقبل والوقت الحالي الأخذ بعين الاعتبار أن هنالك فئة لابد أن يتم استهدافها تماما كالفتيات والنساء أيضا وهي فئة الفتيان والرجال لأنهم بحاجة إلى أن يكونوا عاملا مساعدا ومساندا لتوعية الفتيات والنساء، ولأنهم مكون رئيس في الأسرة، ولابد من أن يكونوا جزءا في تصميم البرامج المستهدفة للتخفيف من العنف المبني على النوع الاجتماعي، وأيضا كي لا يكونوا جزءا من الصعوبات والمعوقات التي تواجه من يعمل على الحد من العنف مجتمعيا وعائليا.
ولكي نشارك في هذا الجهد مع من سبقونا في دول أخرى أو في مجتمعنا الفلسطيني علينا أن نمتنع عن بعض الممارسات في تربية أبناءنا الذكور إذا أردنا أن نضمن مساواة عادلة بينهم وبين الإناث..
فحين نربي أبناءنا الذكور على أنهم الأقوى وأن البكاء سمة الضعيف وليست صفة رجولية، فإنه سينشأ على كبت مشاعره وعواطفه ولن يتمكن من التعبير بصدق عما يشعر، وبالتالي سيحتمل الكثير من الصعاب والعقبات ليثبت صفة الرجولية، ويجتهد ليبعد عن ذاته أي صفات يعتقد المجتمع أنها صفات أنثوية كالبكاء والضعف وطلب المساعدة من الآخر... هذا لن يساعد الذكور ولا الإناث عن أن يكونوا مكملين لبعضهما البعض، فكلاهما وفق عوامل ثقافية واجتماعية ودينية تجعل لكل منهما دور وصفات يحاول أن يثبتها طيلة حياته وفي كل الأدوار المجتمعية التي يسير بها وفقا لمجتمعه، وهنا لابد لنا لمساعدة كلاهما فإن علينا مرة أخرى أن نزيد اهتمامنا بالذكور (فتيان ورجال) لمساعدتهم للتعبير عن أنفسهم وذواتهم ومن ثم يجدوا المتنفس للمكبوت لديهم وتمكنهم من خلق التوازن واعادته لحياتهم، وأخذ زمام المبادرة في العمل على التخفيف من العنف المبني على النوع الاجتماعي.
فهنالك الكثير من الرسائل السلبية التي تصل الرجال كما النساء ليصبح لكلاهما صندوقا مغلقا يحمل كل الصفات الذكورية السلبية والايجابية، وصندوقا آخرا يحمل الصفات الأنثوية السلبية والايجابية، وينغلق كلا الصندوق ويبدأ منذ التنشئة الاجتماعية الأولى وما قبلها، وتنعكس هذه الصفات على الأدوار المجتمعية لكلا الجنسين ونظل في دائرة مفرغة من اللامساواة بين الجنسين، وهي بالمناسبة ظاهرة عالمية وليست محلية أو عربية فقط بل تزداد الفجوات بفعل الواقع الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي لكل بيئة ومجتمع، وتزيد أو تتفاقم بفعل تعزيز ممارسات عدم المساواة قانونيا أو دينيا، ومن هنا يجب الاهتمام بالتوعية والتثقيف والدعم والمساندة بكل المستويات واشراك الرجال كما النساء في تصميم برامج تصل لكافة الفئات المستهدفة والاجتهاد لتعزيز الشراكة يتطلب العمل على سد الفجوات القائمة فعليا بين الاناث والذكور وفي ذات الوقت السعي لتحسين مضامين ومفاهيم أدوار النوع الاجتماعي في الوعي الجمعي المجتمعي.
إن الهدف الأسمى والأشمل هو أن يصبح الرجال مساندين ومصدر حماية وقوة لمجتمعهم ولأنفسهم ولعائلاتهم وليسوا مصدر عنف أو معيق في سبيل الوصول لمساواة جندرية حقيقة.. وهذا يؤدي لتعزيز مفهوم الجندر التحويلي، فالقوة السلبية للذكور التي تتصف بالعدوانية يمكننا معا استثمارها لتحويلها إلى قوة إيجابية لصالح المجتمع.
هذا لا يمثل رأيا شخصيا بل هو نهج مكثف ومدروس لإشراك الفتيان والرجال في المساهمة في التخفيف من العنف المبني على النوع الاجتماعي، ساهمت كيفينا تل كيفينا في تدريبه في غزة حيث أشرفت جمعية عايشة لحماية المرأة والطفل" على التدريب وتمكنت من تأهيل 75 سفيرا من الشبان والرجال ليتمكنوا من تطبيق النهج، وهي مناسبة مهمة لكافة المؤسسات للعمل مع الفتيان والرجال بوعي للوصول معهم وبهم إلى مساواة جندرية عادلة تزيد من فرص العمل الجاد الحقيقي لخلق توازن في المساواة بين الجنسين في مجتمعنا الفلسطيني.