أُصيبت العديد من النساء الإفريقيات بالصدمة عند مشاهدتهن أكبر نجوم إفريقيا الموسيقيين كوفي أولوميدي وهو يركل بغضب إحدى راقصاته الإناث في مطار نيروبي، الفيديو وإن كان مثيراً للصدمة لكنه لم يفاجئهن.
العنف ضد المرأة في الأماكن الخاصة والعامة في إفريقيا مسألة اعتيادية، لا يبدو أن الحكومات الإفريقية تفعل الكثير لتقضي على هذه الظاهرة البشعة ولا يبدو المجتمع الدولي كذلك منزعجاً كثيراً من هذه المسألة.
السؤال المطروح الآن هو لماذا تستمر هذه الظاهرة المخجلة في القارة وكيف نقضي على هذه الحلقة المفرغة؟
يعرّف ميثاق الأمم المتحدة الصادر في العام 1993 العنف ضد المرأة بأنه "أي فعل عنيف قائم على التمييز على أساس النوع الاجتماعي ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة ، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.
في دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية في العام 2005 أظهرت أن العنف الأسري مشكلة عالمية تضر بملايين النساء حول العالم، لكن المرأة الإفريقية هي الأكثر عرضة لهذا العنف.
على سبيل المثال نسبة 51% من النساء الإفريقيات وقعن ضحية للعنف، و11% تعرضن للعنف أثناء فترة الحمل، و21% تزوجن قبل سن الخامسة عشرة و24% أجريت لهن عملية الختان.
تشير المنظمة إلى أن عملية الختان بإمكانها أن تؤدي إلى "النزيف والتلوث عسر في التبول وصعوبات في عمليات الولادة وقد تؤدي إلى الموت أحياناً". تقدر المنظمة أعداد النساء اللاتي أجريت لهن العملية حول العالم بـ 130 مليوناً بينما تقبع 2 مليون فتاة تحت خطر التعرض لهذه العملية كل عام بالرغم من الاتفاقية الدولية التي تجرم هذه الممارسة.
تشير مجلة "African Recovery" الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن العنف ضد المرأة الإفريقية يتجاوز مسألة العنف الأسري إلى الزواج بالإكراه والعنف المرتبط بالمهور والاغتصاب الزوجي وضرب الزوجة والتحرش الجنسي والتهديد في أماكن العمل والمؤسسات التعليمية، والإكراه على الحمل والإجهاض والتعقيم، والاتجار وممارسة الدعارة، كل هذه الممارسات تؤدي إلى الإصابات الجسدية والصدمات النفسية والإصابة بفيروس HIV ومرض الإيدز وحتى موت العديد من النساء الإفريقيات.
يتساءل البعض لماذا لم تحقق إفريقيا أي تقدم ملحوظ في حماية المرأة ضد العنف بالرغم من الالتزام الذي وقَّعت عليه 53 دولة إفريقية عام 1995 ضمن بروتوكول حقوق المرأة الإفريقية، إلى جانب التجاهل السياسي وانعدام المساواة في العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعات إفريقيا الأبوية، توجد كذلك بعض الأسباب المستترة الأخرى للمشكلة.
في المقدمة، تأتي مشكلة التقاليد الثقافية، غالباً ما تسيطر الممارسات الثقافية التقليدية على سير المجتمعات الريفية في إفريقيا والتي تسمح ببعض ممارسات العنف ضد المرأة كضرب الزوجة أو تشرعنها. لا يزال هذا الأمر مقبولاً في العديد من الدول الإفريقية.
في الحقيقة، فإن 21 دولة فقط من الدول الإفريقية تمتلك تشريعات تجرّم هذه الممارسات. كانت إحدى الإشادات التي طالما سمعت الناس يتحدثون بها عن والدي الذي كان رأساً لقبيلة أنه لم يضرب أمي قط. في مجتمع يكون الرجل فيه مقدماً على المرأة، تصبح حقوق المرأة مجرد امتيازات من زوجها. فضرب الزوجة يكون مقبولاً وشراً لا بد منه لإرجاع المرأة المتمردة إلى حظيرة زوجها طوعاً لأوامره وأمنياته.
العنف الجنسي وجه آخر للاعتداء على حقوق المرأة غالباً ما يتم تمريره بحجج ثقافية في إفريقيا. على سبيل المثال، عندما اعترضت بعض الناشطات على إصرار السلطات في كوازولو ناتال في إفريقيا الجنوبية على أن الفتيات الشابات عليهن الخضوع لاختبار كشف العذرية ليتأهلن للحصول على منحة دراسية، رأى بعض الأهالي أن هذا الاعتراض هجوم على تقاليدهم الثقافية.
تُستخدم نفس الحجج الثقافية للحفاظ على ممارسات جنسية أخرى كممارسة "الضبع" التي تسود في بعض المجتمعات الريفية الإفريقية حيث تُجبَر الفتيات الشابات على ممارسة الجنس مع "ضبع القرية" وهو رجل أكبر سناً، بحجة أنه يفتح لهن أبواب حياتهن الجنسية.
من الوجوه الأخرى للعنف الجنسي ضد المرأة هو عمليات الاغتصاب التي أصبحت شائعة للأسف في القارة الإفريقية. أُشيع في أواخر العام الماضي أنَّ بعض الفتيات قد قُدِّموا للجنود في جنوب السودان كتسلية جنسية، وهو شكل آخر من أشكال الاغتصاب. لا يُبلَّغ عن معظم حالات الاغتصاب في القارة ولا يُحقَّق فيها ولا تصل إلى قاعات المحاكم، إلا إذا كان المتورط فيها شخصية مهمة مثل رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما أو قوات حفظ السلام في الكونغو وإفريقيا الوسطى. في العديد من حالات الاغتصاب، تُتَّهم المرأة بأنها السبب بتهمة إغرائها الرجال أو تعريض نفسها للاغتصاب بسبب طريقة ملبسها وسلوكها.
ثانياً، فإن أعظم العقبات التي تواجه تطبيق بروتوكول 1995 هي التقاليد الدينية. أتاح لي عملي قسّاً في الكنيسة أن أحضر العديد من "جلسات العلاج" في الكنائس الإفريقية، لقد رأيت بأم عيني فظائع، إذ تُطارد النساء ويُقيدن ويُضربن بعنفٍ في شعائر مروعة لإخراج العفاريت منهن.
النساء هن الأكثر اتِّهاماً بممارسة السحر والشعوذة وإلقاء التعويذات. تُخضَع الأرامل لكل أشكال التطهير الشعائرية وفي بعض الأحيان يُتهمن بقتل أزواجهن. يحدث هذا إذا اكتشف الوسطاء الروحيون أنَّ هذه الأرامل كُنَّ متزوجات من أحد آلهة الماء في حيواتهن السابقة، مما يؤدي بهن إلى قتل أزواجهن بدافع الغيرة أو الغضب.
تشيطن الكثير من المجموعات الدينية المسيحية والإسلامية التقليدية جسد المرأة الإفريقية وتُعِدّه مصدراً للشر. بطبيعة الحال، فالكثير من نشطاء حقوق المرأة في إفريقيا يرون أن أجساد النساء في إفريقيا تُعامل كأنها عاهة أو لعبة.
في حالات كثيرة، تتعرض المرأة الإفريقية للعنف بسبب الفقر. في قارة ممزقة بسبب الحروب الأهلية وأزمات اللاجئين وتهجير مناطق سكانية بأكملها، تكون المرأة عرضة للعنف والاستغلال والعمالة القسرية والعنف الجنسي.
إن مأزق المرأة الإفريقية للأسف تحت مستوى الاهتمام العالمي. تخذل الأمم الإفريقية مواطنيها من النساء وأي محاولات لتغيير هذه الممارسة العنيفة الراسخة يقوم بها النشطاء أو النسبة القليلة من النساء في مواقع القيادة تُعاق وتُعرقَل.
في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأن العنف ضد المرأة ليس له مكان في أي مجتمع، إنه أمر مرفوض لا يجب التسامح بأي شكل مع من يمارسه. صرحت وزيرة الشباب والنوع الاجتماعي الكينية سيسلي كاريوكي بنفس الأمر تعليقاً على فيديو أولوميدي، إذ قالت: "كان تصرفه شائناً ومهيناً للكينيين وللدستور، لا يجب السماح بالعنف ضد المرأة بأي شكل ولأي سبب".
حان الوقت للدول الإفريقية لتطبق مواثيق الأمم المتحدة للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة عن طريق تحديد التقاليد الثقافية والدينية التي تحفز على هذا العنف والقضاء عليها. على الأمم الإفريقية أن تعلّم رجالها احترام كرامة المرأة الإفريقية وحقوقها. ويجب أن تتعلّم المرأة الإفريقية بدورها حقوقها. كنت شخصياً جزءاً من برنامج نفّذناه في ثلاث دول إفريقية لتعليم المرأة وتحفيزها ودعمها من أجل قيادة التغيير. السلاح الأقوى في يد المرأة الإفريقية ضد العنف الممارس عليها من قبل الرجل هو الاستقلال الاقتصادي وهو البوابة التي ستصلهن بحقوقهن.