عملياً، كان من المفترض أن تكون بيث جودييه قد أنهت دراستها الجامعية بحلول هذا العام، وبدأت تدريبها في العمل كأخصائية علم نفس للأطفال. كانت بيث شابة تمتلك كل المقومات المؤدية إلى مستقبلٍ مشرق؛ مع سلسلة من نتائج الامتحانات الممتازة فضلاً عن الشخصية الاجتماعية المعتدة بذاتها.
المفاجأة كانت قبيل عيد ميلادها الـ17 في نوفمبر/تشرين الثاني قبل خمس سنوات، عندما دخلت بيث في سبات عميق، ولم تستيقظ بشكل صحيح لمدة ستة أشهر. كانت بيث تنام لمدة 22 ساعة متواصلة في اليوم، وتستيقظ فقط في غيبوبة حالمة لتناول القليل من الطعام والشراب والذهاب إلى المرحاض بحسب تقرير لصحيفة "دايلي ميل" البريطانية.
تقول جانين والدة بيث أن ابنتها كانت نائمة حوالي 75% من الوقت على مدار السنوات الخمس الماضية.
بيث (22 عاماً) هي واحدة من ضمن أكثر من 100 شاب وشابة في بريطانيا مصابين بمتلازمة كلين ليفين (كلس) والمعروفة باسم متلازمة الجميلة النائمة.
ولكن هذا الاسم البراق بعيد كل البعد عن الواقع المرير الذي يعايشه هؤلاء الشباب، حيث ينامون خلال أكثر المراحلة أهمية في حياتهم.
أسباب اضطراب النوم
الليلة سيتم تسليط الضوء على هذه الحالة كجزء من مسلسل تلفزيوني عن أسرار الطب والتي يعتبر (كلس) واحداً منها. لا نعرف الكثير عن أسباب اضطراب النوم، ولا حتى كيفية علاجه.
كل ما نعرفه هو أنه يصيب المراهقين بشكلٍ خاص -متوسط عمر الإصابة هو 16 عاماً- ويستمر حوالي 13 سنة؛ مدمراً آمال الشباب في اجتياز الامتحانات والذهاب إلى الجامعة أو حتى بناء حياةٍ مهنية.
وفي هذه الأثناء، تغط بيث في نوبة نومٍ عميق جديدة منذ شهرين ونصف. ولا يمكن للمخدرات أو الأصوات العالية أو حتى التوسل والاستجداء، أن يوقظوها من نومها.
تقضي إذاً بيث حياتها في ملابس النوم على السرير أو الأريكة. وفي المناسبات النادرة عندما تغادر منزلها في ستوكبورت، شيشاير لرؤية الطبيب؛ يجب أن يتم دفعها على كرسي متحرك لأن إرهاقها لا يمكنها من المشي.
وكل ما يمكن لجانين القيام به هو الجلوس والانتظار بفارغ الصبر حتى يبدأ عقل ابنتها في العمل مجدداً من تلقاء نفسه.
وتقول جانين (48 عاماً): "لا يمكنها التحكم في الأمر، فقد تستيقظ غداً أو بعد غد وتبدأ سباقاً مع الزمن لعيش حياتها التي فاتتها. فتندفع للخارج من أجل لقاء صديقاتها وتصفيف شعرها. ولكن لا أحد يعرف متى من الممكن أن تغفو مرةً أخرى".
بدأت بيث في الشعور بالإرهاق عندما بلغت من العمر 16 عاماً، وافترضت جانين أنها بلادة طبيعية في سن المراهقة.
وفي ليلةٍ ما، سقطت بيث نائمةً على الأريكة ولم تستيقظ. وعندما حاولت جانين إيقاظها، أُصيبت بالرعب عندما لم تتمكن بيث من فعل شيء سوى الهذيان المتقطع بصوت صبية تبلغ من العمر خمس سنوات.
وبطبيعة الحال، تلاعبت الظنون برأس والدتها: وظنت أن لديها ورماً أو نزيفاً في الدماغ، وتم نقل بيث إلى المستشفى في الحال. ولكن كل التحاليل لم تظهر أي نتائج.
حيرت حالتها الطاقم الطبي حتى تذكر أحد الأطباء زميلاً له تعامل من قبل مع حالةٍ مماثلة.
في ذلك الوقت، كانت بيث قد تعافت لتوها من التهاب اللوزتين، ويشك الفريق الطبي أن الالتهاب كان سبباً في هذه الحالة.
العدوى والتهاب الدماغ
ويعتقد الباحثون أن العدوى قد تفجر التهاباً في الدماغ لدى الأشخاص الذين لديهم تأهب وراثي، وهذا قد يؤدي إلى تلف المهاد والوطاء والمناطق المسؤولة عن النوم والمدخلات الحسية.
ومنذ تشخيص الحالة، أصبحت بيث تقضي فترةً أطول في النوم من الوقت الذي تقضيه مستيقظة، وتفوتها العديد من حفلات ميلادها واحتفالات أعياد ميلاد والعُطل. وعندما تستيقظ، لا تتذكر ما إذا كانت مريضة أو تدرك أن كل هذا الوقت قد مر.
وتبخرت آمال بيث في الحصول على أربعة مستويات A التي احتاجتها لإتمام التدريب من أجل الحصول على شهادة التخصص في علم النفس الأطفال، حيث أُجبرت على ترك الكلية.
واضطرت جانين إلى التخلي عن وظيفتها من أجل التفرغ لرعاية ابنتها على مدار الساعة.
وتقول جانين: "إن أشد الأعراض وطأة هو ارتباكها عندما تستيقظ لبضع ساعات في اليوم، عندما لا تدرك أين هي وتصبح مضطربةً جداً، وكان أصعب عام عند حصول صديقاتها على مستوى A وانطلاقهم إلى الجامعة، لأن بيث عرفت عندما استيقظت أنه كان ينبغي أن تكون معهم، لقد آلمها ذلك بشدة. وما يؤلمها يؤلمني دون شك".
شخص واحد فقط كان إلى جوار بيث رغم كل شيء، وهو صديقها دان الذي يعمل معلماً في مدرسة ابتدائية ويبلغ من العمر 25 عاماً، التقى ببيث أثناء مرحلة "يقظة" من حياتها قبل ثلاث سنوات.
"يأتي دان ليجلس معها بصفة يومية، ويبدأ في التحدث إليها منتظراً أن تعود حبيبته للحياة. وبمجرد أن تستيقظ، يستأنفان علاقتهما الناضجة ويعودان لوضعهما الطبيعي. إنه رجل جيد".
ولكن عادة، لا تمتلك بيث أكثر من أسبوعين قبل أن تعود المتلازمة بها إلى غيبوبة النوم مرةً أخرى.
وأضافت جانين: "في كل مرة، كنت أصلي أن تكون النوبة الأخيرة ثم يتقطع قلبي بمجرد رؤية علامات المتلازمة تظهر مرةً أخرى، حيث ينخفض صوتها، وتبدأ في التأذي من الضوء والضوضاء بشكل كبير، قبل أن تغط في النوم مرة أخرى. يتحطم قلبي لرؤية أفضل سنوات حياتها تذهب هباءً".
حالات تتزايد
وأحد من كبار الخبراء في هذه الحالة هو الدكتور غاي ليشينر، استشاري طب الأعصاب في مؤسسة غاي وسانت توماس .
يقول إن عدد حالات الإصابة بمتلازمة (كلس) –التي تحمل اسم الأطباء الذين اكتشفوا الحالة قبل قرنٍ من الزمان- مستمرة في الزيادة، حيث يتم تشخيص أعداد أكبر من الشباب كل يوم.
"في الماضي، كان يتم الإلقاء باللوم في الحالات الخفيفة على كسل المراهقين. أو كان ينظر إليها على أنها حالات نفسية أو أعراض الإصابة باضطراب ثنائي القطب".
ووفقاً للدكتور غاي؛ فإن الفرق بين النوم لمدة تصل إلى 22 ساعة في اليوم والذين يعانون من اضطرابات النوم الأخرى، هو أن هؤلاء الشباب سوف تظهر عليهم أيضاً تغيرات واضحة في شخصيتهم.
"يشعرون كما لو أنهم في حالة تشبه الحلم ومنفصلين تماماً عن العالم من حولهم. وهذا يؤدي إلى تأثيرٍ كبيرٍ على حياتهم. وعندما يستيقظون ليدركوا ما فاتهم، قد يصابون بالاكتئاب والقلق.
"وعلى الرغم من أنها ليست المحطة الأخيرة، لكن الشباب المصابين بهذه المتلازمة يشاهدون حياتهم تذهب هدراً في سنواتهم الأكثر تكويناً وأهمية".
هذه هي الحال مع كاريو هاريس البالغ من العمر 15 عاماً، من كوبهام، ساري. كاريو لاعب كرة قدم واعد، تم اختياره للعب لصالح أكاديمية لكرة القدم. وبدأ كل شيء عندما قضى يوماً في حمام السباحة بالنادي الصحي منذ أربع سنوات، ولم يتمكن من إبقاء عينيه مفتوحتين بعدها.
أعقب ذلك عشرة أيام من الصداع النصفي الشديد والهلوسة، ذهب كاريو على إثرها لإجراء تصوير بالرنين المغناطيسي لمعرفة ما إذا كان لديه ورم في المخ. وبعد تعافيه، افترضت والدته دانييل أنه كان مصاباً بفيروس.
ولكن بعد ستة أسابيع، تعرض كاريو لهجومٍ آخر من الصداع النصفي والتقيوء والهلوسة، لم يعد قادراً بعدها على البقاء مستيقظاً لأكثر من ساعتين في اليوم.
ولتكتمل المعاناة، أصبح كل ما يملكه من لعبة كرة القدم هي الجوائز التي تملأ رفوف غرفة نومه حيث يقضي معظم حياته. حتى الآن لم يستطع كاريو الذهاب إلى مدرسته هذا العام الدراسي لأكثر من أسبوعين فقط.
دانييل (45 عاماً)، هي أم مطلقة لأربعة أطفال، وتقول: "إن أطول فترة قد نامها كاريو دفعةً واحدة هي 40 ساعة. وعندما يكون في نوبة، لن تتمكن من إيقاظه، حتى لو كنت واقفاً بجانب سريره مع كافة آدوات الفرق الموسيقية".
على مدار سنوات، كان الأطباء يعطون دانييل أدويةً الصداع ويقترحون كون المراهق كسولاً ويحاول التهرب من المدرسة، على الرغم من أنه يغفو أمامهم.
بعد كتابة المذكرات لإظهار أنه كان ينام أكثر مما كان يستيقظ، أحيلت دانييل إلى طبيب الأعصاب الذي تعرف على هذه الحالة. وأوضحت الصور على هاتف دانييل المحمول مدى خطورة الموقف للأطباء، حيث سلطت الضوء على الاختلاف الواضح بين شاب مهذب ومفكر مثل كاريو والولد الصغير المرتعد عندما تصيبه الهلاوس خلال إحدى النوبات.
حيث يتحول إلى طفل صغير، ويبكي من الخوف.
مضى أكثر من عام على الأخيرة التي مرت بها ليلي (26 عاماً) ومازالت تعيش في خوف من أن تعود إلى هذا الكابوس في أي وقت.
مازالت تتذكر ليلي بشدة ما حدث لها، ولا ترغب في الحديث عن حالتها ومواصلة حياتها، تاركة الأمر لوالدتها لتعويض الأعوام التي ضاعت من عمرها.
كانت الأسرة في يوم التزلج بمتحف التاريخ الطبيعي في لندن عندما فقدت ليلي الوعي وهي في عمر الـ17 عاماً.
سنوات للتشخيض
ومع ذلك، فمثل كثير من الأسر؛ استغرق الأمر سنوات للحصول على التشخيص. ورغم رؤية عشرات الأطباء في القطاع الخاص؛ إلا أنها لم تكتشف اسم المرض إلا بعد قراءة أديل لقصة في البريد حول فتاة أخرى في عمر ليلي تعرضت لأعراض مشابهة.
تكره أديل مصطلح متلازمة الجميلة النائمة: "عندما تكون في نوبة، تتصرف ليلي وكأنها تبلغ من العمر ثلاث سنوات، حيث تحتضن دميتها وتمص إبهامها وتبكي بصوت مثل الأطفال قائلةً: "اجعليه يبتعد يا أمي"، وتشعر وكأن رأسها سينفجر. قد تكون معروفة على أنها متلازمة الجميلة النائمة، ولكن لا يوجد شيء رومانسي أو لطيف في ذلك. عندما تستيقظ، يتعين على ليلي أن تتصالح مع ما فاتها، وهنا يأتي الاكتئاب".
وهذا يعني أن ليلي عليها أن تعيش حياتها على مقربة من المنزل، حتى تتمكن أديل من توفير الرعاية المتكاملة لها على مدار الساعة.
ورغم غيابها لوقتٍ طويل عن الجامعة، تمكنت ليلي من الحصول على شهادتها الجامعية وهي مدير في شركة لمستحضرات التجميل.
ولم تستطع تحقيق حلمها في أن تصبح فنانة ماكياج المؤثرات الخاصة في الأفلام، حيث يجب أن تحصل على الكثير من النوم الطبيعي وساعات العمل المنتظمة.
وبالنسبة لجانين والدة بيث، الأمر بمثابة لعبة انتظار طويلة لابنتها أن تستيقظ وتستأنف حياتها. وكل ما يمكنها القيام به هو المشاهدة وانتظار اليوم الذي تستيقظ فيه بيث أخيراً للأبد.
عادة ما يحدث هذا في منتصف العشرينيات، عندما تصبح المسافة الزمنية بين النوبات أطول، قبل أن تبدأ المتلازمة في التلاشي.
وقالت جانين: "يوماً ما، أريد أن تكون بيث قادرة على السفر، وامتلاك عائلة، والعودة إلى الجامعة؛ وتصبح المرأة التي كان من المفترض أن تكونها. عندما أشاهدها، أفكر في هذه الجملة: "دعها تنام؛ لأنها عندما تستيقظ، سوف تهز العالم".