لا يتحدث أغلب الأزواج في أمورهم المادية، ويمتنعون في غالب الأحيان عن ذكر مداخيلهم وممتلكاتهم رغبة منهم في الاحتفاظ ببعض الخصوصية في هذا الجانب، وهناك الكثير ممن ينظرون إلى المسائل الحسابية على أنها غير رومانسية فيتجنبون التحاور فيها، إلا أن عدم مناقشة ما لديهم وما عليهم من ممتلكات وديون يعد بالنسبة إلى الخبراء الخطأ الأكبر والأفدح، لأنه يمثل عاملا رئيسيا في نجاح الزواج أو فشله. ولذلك فلا مناص من فتح باب الحوار حول الوضع المالي للأسرة، ووضع تاريخ دوري للمكاشفة الصريحة بين الزوجين عن الحساب البنكي والعادات المتبعة في صرف الأموال، ووضع استراتيجيات مشتركة في إنفاقها وادخارها.
وفي أنحاء كثيرة من العالم، لا يقترن الزواج والمال بسهولة، ففي العديد من البلدان العربية والغربية، تؤدي الخلافات المالية إلى الطلاق، وخاصة في السنوات الأولى من عمر الزواج. وأظهرت الأبحاث التي أجريت في هذا الصدد أن سوء إدارة ميزانية الأسرة يؤدي إلى الطلاق، سواء كان ذلك بسبب عدم قدرة الزوج، أو الزوجين معا، على الوفاء بمتطلبات الأسرة، أو بسبب الاختلاف في المزاج وترتيب أولويات الإنفاق بين الزوجين، أو عندما تتراكم الديون بسبب سوء إدارة ميزانية الأسرة.
وكشفت دراسة حملت عنوان “المال بين الزوجين والتصرف في الدخل الأسري” أن 80 بالمئة من الخلافات الزوجية في تونس يدور محورها حول المال. وأرجع 50 بالمئة من الأزواج تلك المشكلات إلى ضعف الموارد في حين رأى 25 بالمئة أن غياب الحوار بين الشريكين حول ميزانية العائلة هو السبب في خلافاتهما، فيما أرجع 12 بالمئة من الأزواج كثرة المناوشات بينهم إلى تفرد أحد الشريكين باتخاذ القرارات الخاصة بالنفقات المالية للأسرة.
ولا يختلف الوضع كثيرا في مصر، فقد بينت دراسة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن 45 بالمئة من حالات الطلاق سببها الخلافات بسبب المال ومصاريف الإنفاق على الأسرة. ويعتبر المال أيضا من أهم أسباب الخلافات الزوجية في الولايات المتحدة الأميركية، إذ تعدّ الموارد المالية المسبب الرئيسي للخلافات بين الأزواج، وتقود في أغلب الحالات إلى الانفصال. أما في المملكة المتحدة فقد أشار استطلاع للرأي أجراه بنك سانتراست أن 39 خلافا في السنة الواحدة بين الأزواج العاديين تثار حول المال.
وفي أستراليا، يعدّ المال أحد الأسباب الكبرى للخلافات الزوجية، ويعتقد قرابة 85 بالمئة من الناس أن الأمور المالية تؤدي إلى الانفصال. واستنادا إلى دراسة أجرتها شركة أميركان أكسبرس اعترف ثلث الأزواج والزوجات بإخفاء العديد من الحقائق المالية عن شركائهم، فيما أقر 35 بالمئة منهم بأنهم وقعوا ضحية الكذب في هذا الشأن. وبينت الدراسة أن أهم الأسرار التي يخفيها الأزواج والزوجات هي: تشويه حقائق اقتصادية شخصية بشأن معدل الديون، والإيرادات، والمشتريات، أو البيانات الحسابية.
وأوضح بعض الخبراء أن العوامل النفسية تلعب دورا مهما في هذا النوع من “الخيانة”، إذ ينتقل الفرد من حياة العزوبية والاستقلالية إلى مشاركة الفرد الآخر في كل ما يملك، وهنا تكمن الصعوبة عند البعض. وتبين من خلال الاعترافات، أن الأساليب اختلفت بشأن “الخيانة المالية”، إذ أن 53 بالمئة اعترفوا بالكذب في شأن مشتريات صغيرة، و52 بالمئة اعترفوا بإخفاء نقود سائلة، و16 بالمئة يكذبون حول حجم ديونهم، و14 بالمئة يكذبون في أمور رواتبهم، ومثل هذه السلوكات تدمر الثقة بين الأزواج.
ويرى علماء النفس أن المال يحقق الشعور بالرضا عن الحياة عند عامة الناس، ولكن روبرت والدنغار الباحث في علم النفس التحليلي في جامعة هارفارد يقول إن “الحب، وليس المال، سر السعادة الحقيقية”، ولذلك فإن العلاقات الزوجية التي تبنى على المصالح المادية، أو يتسم فيها أحد الطرفين بالحب المفرط للمال تكون في أغلبها غير سعيدة، ويكون الطلاق نهايتها الحتمية.
ونقل موقع لايف ساينس الأميركي عن باحثين في جامعة بريغهام يونغ أن الزيجات الأقل سعادة هي تلك التي يهتم فيها الزوجان بالجوانب المادية كثيرا؛ ليس بغرض المصلحة العامة للأسرة، بل بدافع الحب المفرط للمال. وقال الباحث جاسون كارول الذي أشرف على الدراسة “ظننا أن النمط المتعارض أو غير المتشابه سيكون الأكثر إثارة للمشكلات؛ حيث يكون أحد الزوجين مقتصدا والآخر مبذرا.. لكننا وجدنا في الدراسة أن الزيجات التي يكون فيها الزوجان ماديين كثيرا هي التي تعاني أكثر من النزاعات”.
وأشار كارول إلى أن دراسات عدة أظهرت أن الأشخاص الماديين يكونون أكثر قلقا واكتئابا من غيرهم، كما يميل هؤلاء الأشخاص إلى عدم الموازنة بين العائلة والعمل. وتبيّن من خلال الدراسة التي أجريت على 1734 من الأزواج، أن الزيجات المؤلفة من زوج مادي على الأقل كانت أسوأ مقارنة بالزيجات التي لا يعاني فيها أحد الزوجين من حب المال.
وقال كارول “ما وجدناه هو نمط عام بأن المادية تبدو مضرة بالزواج.. ويمكن وصفها بالتأثير المسبب لتآكل الزواج”. وتوصلت العديد من الأبحاث إلى نتيجة مماثلة حول دور المشكلات المالية في حرمان الأزواج من راحة البال التي تعد من الأمور التي لا يمكن تحقيقها بجمع المال وتكديسه أو إنفاقه بعيدا عن عيني الشريك، إلا أنها يمكن أن تتوفر بسهولة إذا ما ناقش الزوجان جميع أمورهما المالية بكل صراحة ووضوح، وكان لديهما الاستعداد للتضحية بأي شيء مقابل الحفاظ على علاقتهما الزوجية.