رغم تعديل القوانين وتطوير الدساتير في غير بلد إضافة إلى العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية من أجل القضاء على التمييز ضد المرأة إلا أنه مازال يطل بوجهه القبيح في الجوانب الحياتية للنساء كافة، ويشكل قاسماً مشتركاً بينهن في بلدان المنطقة الأرومتوسطية، حيث لا يمكن فصل حقوق المرأة عن التوجهات السياسية والثقافية والاقتصادية ولا سيما في ظلّ الصراعات في المنطقة وتزايد عنف الجماعات المتطرفة والتطرف السياسي.
من أجل ذلك، عَقَدَت المبادرة النسوية الأورومتوسطية (IFE-EFI) المؤتمر الأرومتوسطي لحقوق المرأة على مدى يومين في بيروت تحت عنوان "الانتقال من المخرجات الوزارية وصولاً إلى رسم السياسات حول المساواة بين النساء والرجال في المنطقة الأرومتوسطية" بدعم من الاتحاد الأوروبي ضمن إطار المنصة الإقليمية للنوع الاجتماعي، بالتعاون تنظيمياً مع جمعية النجدة الإجتماعية والتجمع النسائي الديموقراطي اللبناني. شارك فيه شخصيات سياسية وأكاديمية ومنظمات حقوق المرأة وخبراء الجندر ومدافعين عن حقوق الإنسان.
هدف المؤتمر إلى المساهمة في دعوة حكومات الأرومتوسط لتنفيذ حقوق النساء والمساواة الجندرية واتخاذ خطوات فعالة من أجل دعم واتخاذ سياسات شاملة للمساواة الجندرية، فضلاً عن تعزيز العملية الحوارية وحقوق النساء الإنسانية العالمية، إضافة إلى مناقشة آليات المساءلة والرصد والمتابعة في منطقة الأرومتوسطي بأكملها، من أجل إعداد توصيات لسن سياسات ملموسة لمؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط الوزاري الرابع الذي سيعقد عام 2017.
وقد عرض المشاركون أوراقاً بحثية حول خلاصة تجارب بلدانهم لتعزيز دور المرأة في المجتمع والقضاء على التمييز والعنف القائم على النوع الإجتماعي، ومن المتحدثين نذكر بوسينا بوسيتش، العضوة في البرلمان الكرواتي، التي تحدثت عن أهمية الحاجة لإقرار قانون يحمي المرأة موضحة بأن عدم تمييز قانون الأسرة في بلادها بين المُعنِف والمُعنّف، فعند وقوع حالة عنف منزلي تقبض الشرطة على الطرفين ويودعا بالسجن مما أدى إلى مقتل عدد من النساء. بينما رأت القاضية زيتا هيرنانديز مؤسسة رابطة القاضيات الأسبانيات، أن عدم فهم التمييز الجندري هو السبب وراء الأحكام غير المنصفة للنساء رغم وجود قانون تجريم العنف الأسري منذ 2003 في أسبانيا، وطالبت بتدريب القضاة للوصول إلى فهم أعمق للتمييز القائم على النوع الإجتماعي وتعزيز المساواة عبر تعزيز الحماية والخدمات الإجتماعية والوصول إلى الفرص. في حين أن نائلة شعبان، رئيسة الجمعية التونسية للقانون الدستوري، وجدت أن تعديل الدستور وقوننة العلاقات في العائلة والمساواة بين الجنسين في الإرث ساهم بوصول النساء إلى التعليم والاضطلاع بدور سياسي، إلا أن ذلك لم يساعدهن للوصول إلى مراكز القرار بنسب مقبولة. بينما يرى موسى معايطة، وزير الشؤون السياسية والبرلمانية في الأردن، بأن القضية لا علاقة لها بالتعليم لأن نسبة 56% من طلاب الجامعات في الأردن من الإناث، بينما لا تتجاوز نسبتهن في سوق العمل 18%، ويرجع ذلك لعادات وتقاليد المجتمع. أما أمير الكناني، المستشار القانوني لرئيس الجمهورية في العراق، أشاد بحراك المجتمع المدني الضاغط في بلده الذي ساهم بتحقيق مكتسبات جيدة للمرأة منها إلغاء مواد قانونية حول حق الزوج بتأديب الزوجة والقتل بدافع الشرف وكذلك الحصول على نسبة تزيد عن 30% في البرلمان العراقي، إلا أنه أوضح صعوبة تبرير التشريعات لمنع زواج القاصرات والمساواة في الإرث، كما لفت إلى جانب آخر حيث النساء تُغتَصَب وتُحْرق وتُعرض في السوق كسبايا في ظل الصراعات المسلحة ويقف الجميع عاجزاً عن حمايتهن رغم صدور الأحكام القضائية مشددة بحق المرتكبين تصل للإعدام إلا انها غير قابلة للتطبيق في ظل الظروف الأمنية والضغوطات الدولية، لذا أطلق مناشدة للمجتمع الدولي لتطبيق العقوبات بحق الجناة.
كما ناقش المؤتمرون مخرجات الحوارات الوطنية والإقليمية وتوصيات إجرءات سن السياسات للعمل على صياغتها بشكلها النهائي من أجل متابعة ورصد المخرجات الوزارية في المجالات الرئاسية، وكان قد تم تحديد أربعة مجالات منها ذات أولوية وهي: القضاء على التمييز ضد المرأة وتعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية والاقتصادية؛ إصلاح التعليم وتغيير الصور النمطية الجندرية؛ القضاء على العنف ضد المرأة في حالات الحرب والاحتلال؛ ضمان الحرية والاستقلالية للمجتمع المدني ودعم منظمات حقوق المرأة.
وقد أظهرت النتائج الرئيسية للحوارات الوطنية والإقليمية العديد من التحديات، نذكر منها التحديات المشتركة في المنطقة وهي: تغيّر الأولويات نحو الأمن والاستقرار الوطني وتهميش حقوق النساء؛ غياب الإرادة السياسية لتحقيق المساواة الجندرية؛ ضعف تمثيل النساء في صناعة القرار؛ استمرار التمييز القانوني والفجوة بين النصوص الموضوعة وتطبيقها العملي؛ استمرارية وتعزيز الصور النمطية الجندرية؛ انتشار العنف ضد النساء والفتيات في المجالين العام والخاص على مستوى العالم.
وقد جاءت أبرز المخرجات حول أجندة المرأة والأمن والسلام في ظلّ الحروب والاحتلال والنزاعات المسلحة، حيث تزداد حوادث العنف الجنسي والاعتداء والتعذيب والاسترقاق فتصبح النساء أنفسهن "منطقة حرب"، ولفتت إلى القضايا المركزية مع تفاقم انعدام الأمن بالنسبة للنساء في الضفة الغربية المحتلة وغزة المحاصرة والقدس المحتلة، وكون اسرائيل تعد مصدر دائم للعنف في المنطقة في ظل غياب الإرادة السياسية لمحاسبتها وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، علاوة على أن قرار مجلس الأمن 1325 لا يشتمل على رؤى حول النساء القابعات تحت الاحتلال. لذا كانت التوصيات في إجراءات سن السياسات: اتخاذ موقف علني وموثق بخصوص الأسباب الرئيسية للتمييز ضد المرأة في ظل الاحتلال، والكشف عن تداخل العوامل المختلفة للمحافظة عليه، بما في ذلك تجارة الأسلحة مع اسرائيل، وأثرها على زيادة عسكرة النزاع والاحتلال؛ التخطيط لتدخل عاجل من أجل رفع الحصار عن غزة ووقف النشاط الاستيطاني؛ الشروع في حملة دولية لحشد الدعم السياسي الولي لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع حق الشعب الفلسطيني بالعودة.
وكانت قد أطلقت المبادرة النسوية الأرومتوسطية عام 2015 بدعم من الاتحاد الأوروبي العملية الحوارية "الانتقال من المخرجات الوزارية للاتحاد من أجل المتوسط وصولا إلى رسم السياسات حول المساواة بين النساء والرجال في المنطقة الأرومتوسطية" من أجل تأطير تنفيذ مخرجات المؤتمر الوزاري الثالث الذي عقد في باريس عام 2013، ونظمت سبعة حوارات وطنية في كل من الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وتونس.