قالت أستاذة النقد الحديث في جامعة البتراء د. رزان إبراهيم، "إن نجاح الحراك الثوري يبقى مشروطاً بما يوازيه على الصعيد الفكري والقيمي الأخلاقي، وإلا فإن مصير الثورات يبقى معلقاً، وسنبقى ندور في حلقات مفرغة، وفي حالة قلق وخوف شديدين".
وحملت إبراهيم في حوار مع الغد، مسؤولية حمام الدم في العالم العربي إلى أميركا وإسرائيل أو الغرب عموماً، معتقدة أن "ثوراتنا في الأساس كانت مشروعة، ولها ما يبررها"، مستغربة من يستنكر حدوث ثورة على الظلم، لان من الضرورة أن تقام مثل هذه الثورات على الظلم ولا يجوز استنكارها أبداً.
ونوهت إبراهيم إلى أن المشكلة أن ثواراً أتوا واعدين الناس بعصر ذهبي براق، شاهدناهم وراقبناهم باهتمام وإعجاب وهم يقطعون رأس الحية، ولكن بقي جسم الحية متخفياً تحت الأرض.
وقالت "إن هذا أمر لا يخفى على مراقب ذكي يستطيع بكل وضوح أن يرى رؤوساً جديدة تولدت باسم حماية الثورة من أعدائها، وباسم استقرار مزعوم، ليعود كل شيء كما كان قبل الثورة ذاتها، رأس جديدة تتوج الظلم من جديد باسم مصلحة الشعب، ولتكال التهم تباعاً لكل طالب للعدل وبمسميات جديدة؛ عدو للشعب، إرهابي.. ".
ورأت صاحبة كتاب "الرواية التاريخية - بين الحوارية والمونولوجية" أن الغرب منتفع ما آلت إليه الأمور في ربيعنا العربي، لكن هذا لا يعفي من مسؤولية ما يحصل الآن من مشاهد يؤججها حقد طائفي متعدد الأشكال، يقوده من يُدعون بالأبطال ويقومون بتفجير أنفسهم ومن حولهم، ويغتالون الأبرياء بدم بارد ليقال عنهم: "أبطال أو شهداء"، لافتة إلى أن هذا المشهد يستدعي تأملاً دقيقاً لذواتنا وفحصاً مخلصاً لضمائرنا.
ووجهت إبراهيم سؤال للقتلة، ما الذي تمنحونه لأنفسكم وللآخرين؟ ما الذي قدمتموه للناس سوى قتل الأبرياء الذي تجاوز كل منطق أو عقل، وهل من مصيبة أكبر من تجويع الناس ومحاصرتهم وإعمال القتل فيهم؟؟ كائن من كان مرتكبها، معتبرة كرد على الاسئلة ان العمل مدان ويبقى المنفذ مجرماً بغض النظر عن الحجج التي يدعيها.
وبينت مؤلفة "خطاب النهضة والتقدم في الرواية العربية المعاصرة" أن أي توصيف لحال المرأة في خضم ربيع عربي مزعوم يقتضي بالضرورة توصيفاً لحال الأمة كلها، لافتة إلى أنه وضع بائس ومثير للحزن والمرارة؛" فما أسرع أن يدرك المراقب العادي أثناء مطالعته أكثر من مشهد دموي يجري هنا وهناك في أنحاء متعددة في العالم العربي أننا سائرون نحو الأسوأ".
وأشارت إبراهيم إلى أن هذا الوضع له خلفياته المعقدة التي تراكمت عبر الأيام، أبرزها فتن مذهبية، جعلت منطق الصدام هو الآمر الناهي، ليصدق علينا ما كان درويش في يوم ما قد وصف به الأرض العربية: "ومن المحيط إلى الخليج، من الخليج إلى المحيط كانوا يعدون الرماح.. ومن الخليج إلى المحيط، من المحيط إلى الخليج كانوا يعدون الجنازة وانتخاب المقصلة".
واعتبرت أن الحقد والكراهية قد استشريا، وبات رفض الآخر ولفظه لمجرد أنه يختلف هو السائد الآن، لذلك غرقنا في الدم والأحقاد والحرائق والخرائب، وبات الواحد حريصاً على إلغاء إنسانية الآخر، وتشريع قتله بدم بارد، جاعلاً إياه نقيضه الأبشع، وهو رفض تتفاوت طبيعته ما بين ديني أو قومي أو حتى حضاري.
ورأت إبراهيم أن "المنطق الدوغمائي ذاته الذي كرهناه وقامت الثورات ضده بقي مصاحباً لجهات واكبت الربيع العربي وتوسمنا فيها الخير، لنصاب بصدمة مروعة، والنتيجة التي نشهدها الآن فشل ذريع في الأداء، يعكس هشاشة فكرية جعلت الغالبية العظمى من الناس تفقد الثقة بهذا الربيع، وتتوجس منه وترى فيه تواطؤاً مع أكثر من جهة هي مثار شك وقلق لدى قطاع عريض من الناس. والمشكلة أن أياً من الأطراف المتنازعة يرفض- على سبيل النقد والمراجعة- الاعتراف بمسؤوليته عن أزمة أسهم في صنعها".
وحول وضع المرأة العربية في ظل هذا "الربيع"، اشارت مؤلفة كتاب " شعرية الفقد: جدلية الحياة والموت في شعر الخنساء"، إن المتابع لحال المرأة العربية إبان اندلاع الثورات، لا يستطيع أن ينكر حضوراً قوياً لها وفاعلاً منذ اليوم الأول لهذه الثورات، رأيناها واقفة وجها لوجه قبالة جهات مضادة محاولة إيقاف تعذيب المتظاهرين من أبنائها، وتؤمن وجبات الطعام للثوار وتعالج الجرحى، ونزلت إلى الميدان لتواجه المضايقات.
وأوضحت إبراهيم أن أسماء نسائية عديدة باتت علامة من علامات الثورة، لدرجة أن مجلة التايمز وقع اختيارها على وجه امرأة عربية لتعبر عن شخصية العام 2011، تقديراً منها للدور الكبير للمرأة خلال الربيع العربي، مشيرة إلى ضرورة الإقرار بأن معاناة النساء كانت كبيرة، وأنهن دفعن الثمن باهظاً لما يجري من عنف وظلم وفقر وتجويع، خصوصاً بعد موت عدد كبير من الرجال تركوا أمر إعالة الأبناء عبئاً يتوجب على المرأة أن تحمله في ظروف اقتصادية غاية في الصعوبة. ورأت إبراهيم أن النتيجة في عمومها مخيبة، فبعد جرعة كبيرة من الأمل بالحصول على مكتسبات اجتماعية أو سياسية، يتم استبعاد المرأة، ليقتصر نصيبها من كل ما جرى على عبارات ووعود لم يتحقق منها شيء، ليَثبت ما أثبته التاريخ مراراً أن المرأة تساهم في الثورات، ليتم بعد ذلك إقصاؤها عن أي دور سياسي محتمل، بما في ذلك تمثيلها في البرلمان، خصوصاً أن جهات بعينها حاولت تنحية المرأة عن أي دور ريادي ممكن أن تقوم به، لدرجة أن خوفاً ما على منجزات الحركة النسوية العربية بات أمراً قائماً في بعض البلدان العربية.
واعتقدت إبراهيم أننا بحاجة إلى دراسات متخصصة تبحث في كل الخروقات التي ارتكبت في حق المرأة، داعية إلى ضرورة البحث في كل جريمة ظنّ مرتكبوها أنهم بمنأى عن المحاسبة والعقاب، بما في ذلك معتقلات سياسية تتعرض فيها المرأة للتعذيب والإهانة، داعية الى توثيقه وعرضه في أسرع وأنسب وقت لإجراءات قانونية موازية، بما يتطلب تضامناً نسوياً عربياً يشكل قوة ضاغطة على الصعيد الدولي.
الغد