ان ثقافة المجتمع هي التي تحدد وضعية المرأة، وقد يكون ذلك خلال التنشئة في الاسرة او في انماط التحصيل الدراسي او في التوجيه الى اختيار مهن معينة بهدف تقوية ودعم الاحساس بالجنس، بمعنى آخر بالانوثة كما رسمها المجتمع في عمليات التنشئة الاجتماعية ذات الاثر الواضح في تحديد مضمون الذكورة والانوثة وفي خلق ما بينهما من فروق تجعل الانثى اقل طموحا من الرجل في مشاركتها لادارة شؤون مجتمعها في الاوجه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتجعلها اكثر شغلا بأمور الزواج والجنس وارضاء الرجل - - وحقيقة الامر ان الانثى ليست اقل طموحا من الرجل، فالمرأة تتفق مع الرجل في الاصل، اي في بدأ الحياة الزوجية وفي التكامل، وان قيل ان المرأة تختلف عن الرجل ماضيا وحاضرا.
والان تلح علينا استفسارات عدة، محورها دور ثقافة المجتمع العربي في خصوصية وضعية المرأة حول ازمة الديمقراطية والحرية المتجسدة في دور الاسرة العربية في عملية التنشئة الاجتماعية وتأثرها بالتغييرات التي يمر بها الوطن العربي اليوم.
وتستلزم مناقشة هذه التفسيرات البدء بمعرفة اهم اشكال الاسر العربية التي اثرت في وضعية المرأة الحالية - - - فلقد كان الشكل الاول للاسرة العربية هو العشيرة. وفيها حافظوا على حرفية التعليم كالولاء للاب صاحب السلطات الواسعة في القضايا الاجتماعية وتميزت بتعدد الزوجات وتمجيد الذكور – مما ادى ذلك الى سلبية دور المرأة في العشيرة. هذه السلبية افقدت المرأة حرية الرأي والتعبير والمشاركة الجماعية.
اما الشكل الثاني هو الاسرة الممتدة، وقد ظهر هذا الشكل بعد موجات الفتوحات الاسلامية الاولى – وتميزت فيه الاسرة بانها مستقلة، وتشكل وحدة اجتماعية محتفظة بثقافة العشيرة وتقاليدها فاعتبرت المرأة أداة لىنجاب فقط. - - وبهذا يمكن القول ان دور المرأة في شكلي الاسرة العشائرية والممتدة قد فرغ من مضامينه الاجتماعية والسياسية واقتصر على الانجاب ورعاية الاولاد والزوج.
والشكل الثالث هو الاسرة النووية وفيها يغلب طابع الاستقلال الاقتصادي للزوجة د ما بالمقارنة النسبية للشكلين الاوليين. مما ادى الى ازدواجية الادوار التي تقوم بها المرأة، اذ عليها ان تعمل خارج المنزل طبقا للمعايير الحديثة التي اعطتها حق الاستقلال الاقتصادي عن الاسرة – كما عليها ان تعمل ضمن الواجبات نفسها التي كانت تقوم بها طبقا للمعايير القديمة التي احتفظت بها، من ثقافة العشيرة والاسرة الممتدة – لان كل من الرجل والمرأة لم يتغير، ولم يتقبل الرجل بعد ان يكون على علاقة الند بالمرأة في مشاركتها في شؤون مجتمعها او مشاركته لها في شؤون الاسرة - - فلم يقدم لها اي نوع من المساعدة.
ومجمل القول ان نوعية التغيير الذي طرأ على شكل الاسرة لم يكن تغييرا حقيقيا في المضمون. وانما كان اقرب الى التغيير الشكلي المظهري مع استمرار بقايا ثقافة وتقاليد العشيرة والاسرة الممتدة التي دُعمت بتفسير بعض نصوص الشريعة الاسلامية بشكل يحقق هدف الرجل في التسلط والسيطرة وامتلاك المرأة والعمل والسياسة - - فشاعت الممارسات التي تؤكد قوامة الرجل على المرأة العربية والتي احبطت البعد الثوري المتعلق بالمرأة في الاسلام.
ومن خلال هذه التناقضات الكثيرة في العالم العربي نبتت بذور كثيرة.
وكانت من بين هذه البذور، بذرة نزار قباني التي نبتت في تربة المتناقضات العربية.
فمن خلال المجتمع العربي ونظامه الاقتصادي المعاصر، ومن خلال الديمقراطية العربية الغائبة والحرية العربية المهدورة ومن خلال علاقات العالم العربي السياسية ومن خلال ازمة الثقافة وتموضع المرأة في المجتمع العربي ومن خلال كل ذلك نبتت بذرة (نزار قباني) الشعرية.
فجاءت صورة طبق الاصل لهذا المجتمع المتناقض المنكسر في كافة وجوهه، ومستوياته المختلفة.
شاكر النابلسي في كتابه الضوء واللعبة.