بعد أزيد من سنتين من انتحار أمينة بمدينة العرائش، كانت الشرارة الأولى لاندلاع احتجاجات وضغوط مارستها الجمعيات الحقوقية المهتمة بقضايا المرأة، تم بموجبها تعديل الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي المغربي التي تعفي مرتكب جريمة التغرير والاختطاف من عقوبة السجن في حال زواجه من الضحية.
وإذا كانت الخطوة قد حصدت استحسانا دوليا، ثمنت بموجبها منظمة العفة الدولية التعديل الذي اعتبرته "في الاتجاه الصحيح"، فإن ثلة من النساء المغربيات بادَرْن إلى التنويه بالأمر لما له من تأثير سلبي على الفتاة القاصر المغتصبة حيث يصبح العيش تحت سقف واحد مع المغتصب ومعاشرته والتعامل معه ذو تأثير نفسي واجتماعي يصعب تجاوزه والذي غالبا ما يؤدي إلى فشل الزيجة أو الانتحار..
خُطوة إيجابية ينوَّه بها
الطبيبة المختصة في الأشعة وداد أزداد، تعتقد أن تعديل هذا الفصل خطوة إيجابية لايمكن إلا التنويه بها، "أتحدث هنا فقط عن الحالة التي ينتهك فيها عرض المرأة غصبا"، تقول المتحدثة لهسبريس مؤكدة أن الاغتصاب جريمة عظيمة محرمَّة من طرف كافة الشَّرائع السماوية وبالتالي يجب إيقاع أشد العقوبات بمرتكبيها عبر إصدار نصوص قانونية صريحة حسب مايقتَضيه المنطق السليم.
وزادت الدكتورة أزداد في تصريح لهسبريس، أن رفع العقوبة عن المغتصب إذا تزوج من ضحيته دليل على انتكاس الفطرة واختلال العقل فضلاً واستهانة بالأخطار العظيمة التي قد تنشأ عن جرائم الاعتداء على حرمات المسلمين في أعراضهم وماقد "تسببه من التهديد للأمن العام للبلاد، ففي غياب العقاب من البديهي أن ينتشر هذا النوع من الممارسات".
وتعتقد طبيبة الأشعة، أن "أغلب المغتصبين يكونون من أصحاب الجرائم ويفعلون فعلتهم تحت تأثير الخمور والمخدرات، وحتى لو لم يكن الأمر كذلك فليس من المتوقَّع وجود أي أثر للمودة ورحمة بين الجلاد وضحيته في حال تراضى الطرفان وحصول زواج خاصة وأن صدمة الاغتصاب لا تزيلها الأيام ولا يمحوها الزمان، لذا تحاول الكثيرات من المغتَصبات الانتحار".
وخلصت المتحدثة إلى أن هذه الزيجات التي لايُصاحبها عادة إلا الذُّل والهوان للمرأة والتي يوافق عليها بعض أولياء الأمور على مضض إما خشية الفضيحة أو يأسا من زواج الفتاة من شخص اَخر مستقبلا بعد تلطخ سمعتها، عادة ما تفشل، متحدة عن الأثار النفسية للاغتصاب التي يمكن اختزالها تحت اسم "le trouble de stress post-traumatique après un viol" والتي هي مجموعة من الاضطرابات متباينة الخطورة تزداد حدتها في حال وُجود المغتصب فما بالكم بمُعاشَرته.
العيش مع المُغتصِب أسوأ من الاغتصاب
من جهتها، ثمنَّت الصحفية سناء القويطي تصويت البرلمان على إلغاء تزويج القاصر المغتصبة، الأمر الذي سيضع حدًّا لتبييض بعض الزيجات، لأن الأسوأ من الاغتصاب هو أن تعيش الفتاة بعد ذلك مع مُغتصِبها.
وتعتقد الصحفية في تصريح لهسبريس، أن المجتمع والأسر التي تلجأ لهذا الأسلوب من أجل تجنب الفضيحة عليها خلق آليات جديدة منطقية ومراعاة الوضع النفسي للمغتصبة عوض استسهال الحل باللجوء إلى التستر على الجريمة بجريمة أفظع منها، مشيرة إلى أن الإعلام بدوره مطالب بالمساهمة في تغيير نظرة المجتمع المتواطئة ضد المغتصبة والتي تتحول من ضحية لعمل إجرامي إلى متهمة.
وترى القويطي، أنه من الضروري تشجيع النِّساء على تقديم أنفسهم وعدم السكوت على الوضع، على اعتبار أن الصَّمت على الاغتصاب والعيش مع المغتصب تحت سقف واحد أسوأ من اِعلان الجريمة ومتابعة مقترفها. كما أن المجتمع ينبغي عليه اعتبار التغرير بقاصر أو اِنشاء علاقة معها قبل سن سنة 18 أمرا غير مقبول بل اِنه جريمة يتم من خلالها استغلال ظروف الفتاة التي لم تنضج بعد ولم تصل إلى السن الذي يخول لها اتخاذ قرارات ناضجة وسليمة.
من الصعب ربط المُغتصَبة بمُغتصِبها
رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، عزيزة البقالي، قالت لهسبريس، إن هذا الفصل كان يطرح إشكالات عديدة من حيث التطبيق باعتبار أنه كان يفرض تأسيس أسرة ليست بالضرورة في ظروف عادية، الأمر الذي يؤدي إلى عدم نجاح هذه الزيجة بالرغم من أنه في بعض الأحيان، قد يكون استجابة لرغبة من المغتصَبة وأحيانا أخرى كحل لإنقاذ سمعة العائلة.
وزادت البقالي، أنه من الصعب الربط بين الاغتصاب كجريمة والزواج كمسؤولية، في علاقة من من المفروض فيها توافر الاحترام والمحبة والتوازن والتكافؤ. فضلا عن الظروف غير السوية التي تعيشها الفتاة بعدها والتَّعنيف الذي تتعرض له من طرف أسرتها أو أسرة الزوج ومن طرف الزوج نفسه.
وتفضل رئيسة منتدى الزهراء، أن يتم الفصل بين أمرين، "فإذا كان الأمر اغتصابا فعلى الجاني أن ينال عقابه، وإذا كان هناك علاقة غير شرعية لا تُكيَّف في خانة الاغتصاب، فالزواج مسألة طبيعية في إطار شرعنة العلاقة".
لا يجب الانتظار إلى حين وفاة أحدهم لكي نعدل القوانين
الفنانة والكاتبة بشرى إيجورك، بدورها، أفصحت لهسبريس أنها تلقت التعديل المتعلق بتجريم تزويج القاصر بمغتصبها بإحساسين، أحدهما إيجابي اعتبارا لضرورة استماع القانون المغربي لنبض الشارع ومسايرة متطلبات المغاربة ومشاكلهم الحقيقية، إلى جانب إحساس آخر مرتبط بضحية ذات الفصل وهي أمينة الفيزازي.
وتابعت إيجورك " حتى نكون إيجابيين يجب التَّنويه بذات المبادرة في انتظار قوانين أخرى تجرم التحرش الجنسي ومظاهر أخرى للحد من سلوكيات اخترقت المجتمع بشكل مخيف، فلا يجب الانتظار إلى حين قتل مواطن أو مواطنة أو الاعتداء عليهم أو ترهيبهم لكي ننتبه آنذاك إلى ضرورة تعديل القوانين والفصول".