بات تعنيف الفتيات والنساء السعوديات ظاهرة في مجتمع السعودية -أكثر المجتمعات العربية والإسلامية محافظة- لتصبح الظاهرة أكبر مما هو ظاهر على السطح وما هو متوقّع، فهي ظاهرة موجودة في الظلام، يمكن لكل من يعمل في الأجهزة الأمنية أن يعرف عنها، ويمكن كذلك لمن يعمل في المؤسسات الاجتماعية والمنظمات الخيرية والإعلام أن يرى أجزاءً منها، ولكن لا أحد يعرف حجمها الحقيقي ولا مدى انتشارها الفعلي أو أسبابها الحقيقية أو آثارها الفعلية على المستوى الكلي.
وأظهرت دراسة أكاديمية حديثة ارتفاع نسب تعنيف الزوجات على أزواجهم السعوديين، على الرغم من القوانين الرسمية الرادعة، إذ أن 37% من السعوديين يعمدون إلى تعنيف زوجاتهم، بالإضافة إلى الإقدام على تصرفات تنتهك حقوقها، كالهجر والحرمان من رؤية أهلها.
ويشهد المجتمع السعودي حالات من الابتزاز والعنف الأسري تعيشها كثيرات من نساء المملكة وإذا حاولت أخذ حقها عن طريق المحاكم لاشيء يذكر غير مواعيد متتالية وجحود من الأزواج أو الأهل المتكبرين والمعاندين.
وفي رسالتها الخاصة بالحصول على درجة الماجستير؛ تكشف الباحثة السعودية، مشاعل البكري، نسبًا مرتفعة للعنف الأسري، لتؤكد أن “قمع الأبناء أو الزوجة، وعدم تركهم يعبرون عن مشكلاتهم بِحُريّة منتشر كأحد أشكال العنف النفسي بنسبة 37%، وأن ما نسبته 33% يرون أن حرمان الزوجة من رؤية بعض الأقارب أو زيارتهم منتشر كذلك، كما ذهبوا إلى أن عدم الحديث مع بعض الأفراد بهدف هجره منتشر كأحد أنواع العنف النفسي بنسبة 31%”.
وتشير الباحثة إلى سبل علاج تلك الظاهرة “التي تتمثل في غرس الإيمان في النفوس، والتربية الخلقية، ونشر الوعي بالحقوق والواجبات الشرعية، وسن الأنظمة الرّادعة لممارسة العنف الأسري وتيسير آلياتها، كما عرضت نماذج من قرارات صادرة عن المحاكم السعودية في ما يخص دعاوى العنف الأسري، وأرقام اللجان الخاصة بحماية الأسرة من العنف ونظام حماية الطفل، ونظام مكافحة الاتجار بالأشخاص، بجانب عدد من التعاميم”.
وتقول البكري، إن “العنف النفسي يمثل الانفعالات النفسية، التي تتمثل في سلوك غير مقبول يؤثر في نفسية الضحية التي يمكن أن تحدث في هدوء ومن دون ضجة، مثل: كره الزوج لزوجته أو العزلة أو حبس الحرية، ومنع الطرف الآخر من إقامة علاقات اجتماعية مع الآخرين تعسفًا أو التواصل مع الأسرة الممتدة، والطرد من المنزل أو الإرغام على القيام بفعل ضد رغبة الفرد أو الحرمان من الحاجات الضرورية”؛ وفقًا لصحيفة “الحياة” السعودية.
في حين تقول المستشارة الاجتماعية، أماني العجلان، إن “العنف أصبح ظاهرة في الوقت الحالي، ولم يعد سلوكًا عدوانيًا يُمارس كما في السابق، مشيرة إلى أن العنف النفسي يأتي على رأس القائمة”.
قرارات رسمية وحملات شعبية
وفي أكثر من مناسبة، نظمت جمعيات أهلية سعودية، حملات شعبية، ضد العنف الأسري؛ ومنها الحملة التي نظمتها لجنة الحماية الاجتماعية، بالتعاون مع التوجيه الإرشادي الطلابي بالإدارة التربية والتعليم (بنات) بحضور مرشدات المدارس بمنطقة الأحساء شرق البلاد، عام 2013، والهادفة إلى القضاء على أشكال العنف الأسري في المجتمع، ومد يد العون والمساعدة لكل من يتعرض لأي شكل من أشكال العنف الأسري، عبر مختصين نفسيين واجتماعيين.
وفي إبريل/نيسان 2013، أطلقت مؤسسة الملك خالد الخيرية الرسمية، إعلانًا يعتبر الأول في السعودية عن تعنيف المرأة، تحت عنوان “وما خفي كان أعظم” لتسلط الضوء على تجمع نساء يرتدين النقاب أمام الكاميرات لإظهار أعينهن المصابة جراء تعنيف أزواجهن، مع لافتة تقول “هناك شيء لا يمكن تغطيته”.
وللحد من تلك الظاهرة الخطيرة، تم سن قانون خاص في أغسطس/آب 2013، مع عدم ترك الأمر لاجتهادات أفراد مستقلين أو داخل الأجهزة الأمنية أو غيرها من الأجهزة الحكومية، حيث إن الاجتهادات تخطئ وتصيب.
ويُعد قانون “الحماية من الإيذاء” الأول من نوعه، وينص على عقوبة الحبس لمدة تصل إلى عام، ودفع غرامة تصل إلى 50 ألف ريال، للمدانين في قضايا الإيذاء النفسي أو الجسدي، وهو نظام شامل للتعامل مع العنف والإيذاء الأسري بُغية توفير الحماية القانونية للمرأة والطفل من التعنيف.
وعلى الرغم من ترحيب ناشطين حقوقيين بتلك الخطوة، إلا أنهم يثيرون تساؤلات حول مدى فاعليتها مطالبين بتطبيقها بشكل كامل، وقد كان العنف ضد المرأة والأطفال في المنازل شأنًا خاصًا في السعودية -من الناحية القانونية- حتى إقرار القانون، ولم تكن شائعة مناقشة العنف الأسري ضد المرأة والأطفال صراحة في المجتمع السعودي لكن ذلك تغيّر في الآونة الأخيرة.
وتبقى العبرة في تطبيق القانون لا سيما وأن قضية العنف الأسري بحاجة إلى معالجة خاصة لأن الجاني والضحية يعيشان تحت سقف واحد، وهناك العديد من النساء المعنفات في السعودية وكذلك الأولاد وسط مجتمع مغلق يتمسك بما يعتبره “أمورًا خاصة”.