إلى الآن لا أعلم كيف السبيل لأن أكون ذلك النموذج من الأمهات اللاتي يفصلن بين إحساسهن بالعالم الخارجي وتفاعلهن مع أبنائهن، كل ما أود أن أبتعد -إلى حد التطرف - عن هذا النموذج صاحب شعار "أنا خايف يا بابا.. وأنا مرعوب يا حبيبي".
حقاً لا أتخيل مشاعر هذا الابن المرتجف المحتمي بي ولسان حاله: "إذا كان ذلك الضعيف المرتعب مسؤولاً عني.. فماذا عني؟!".
لا أعتقد أن صراحتي بل وفظاظتي ستلقى تقديراً لدى ولدي حينها، فالكذب على الأبناء مطلوب أحياناً.
لن أحتمل اقتراب تلك النبرة من بيتي؛ لأنها ستشعرني أني لست في مأمن، وأن رجل البيت خيال مآتة ليس سنداً ولا حماية لي ولولده.
كلنا يخاف، كلنا يرتعب، لكن يجب ألا يكون هذا هو المنهاج، أو أن تكون تلك هي الترنيمة التي ترتل كل ليلة في دارنا، لن ينام ابني مطمئناً، بل لن ينام أصلاً، حتى إن غفا قسراً، أي نوع من الأحلام سيطرق بابه؟! لا بد أن أفضل حلماً لديه سيمسي أباً وأماً أكثر صلابة وجلادة على تحمل مسؤولية حمايته، بل وتحمل نتائج قرارهما الخاص بوجوده في تلك الحياة من الأساس.
أما عن الكوابيس فمساحات التخيل لا حدود لها.
أعلم أن التربية وحماية ابن مهمة شاقة، سئلت مرة لو استقدمت من أمري ما استدبرت وقبل أن يتم السؤال أجبت: لما فعلتها، وكنت أعنيها.
وتتمة الإجابة أني نفسياً ومعرفياً وبدنياً لست مؤهلة بعد، وكان يجب أن أعد نفسي لذلك، لكن الآن وقد تجاوز ولدي العامين صار عليَّ أن ألحق ما فاتني، أن أهتم أكثر بصحتي البدنية والنفسية لأجله، فهذا حقه عليّ.
صار الأمر ولم أفاجأ أن هذا الابن يحتاج أن أتخلى عن العمل الذي اعتقدت دوماً أنه يجري بدمي، إلا أن هذا العمل لم ولن يمنحني تلك السعادة التي منحني إياها هذا الصغير حين قلت بصوت عالٍ أحتاج أن يسمعني أحد، فترك اللعب وأتى وأعطاني قبلة، وضمني، ثم عاد للعب مرة أخرى، بكل بساطة أنساني الهم، بل جعل شعوري بالهم شيئاً معيباً في حضرته.
خوفي على ابني زائد، أعلم؛ لذا أتابع من حين لآخر مع طبيب نفسي، لذا أدرك جيداً أن ما يتم نشره حالياً وتداوله فكر مريض أو على الأقل غير سويّ.
نعم، فخوفنا من العالم وارتعابنا الذي يخترقنا ليصل لأبنائنا يحتاج لطبيب نفسي لا للتنظير ونشر الفكرة.
أحترم جداً من يؤجل قرار الإنجاب حتى يتأهل نفسياً وبدنياً لتلك الخطوة التي هي جسر لطريق طويل لن ينتهي، خطوة تتبعها خطوات لن تتواصل ونحن نرتجف.
أخيراً أشفق على من يفاجأ أن عليه واجبات بعد الإنجاب غير الإنجاب، وأشفق أكثر ألف مرة على أبناء هؤلاء المصدومين إذا أفقدتهم الصدمة اتزانهم وحوّلتهم ضحية لمخاوف آبائهم.