أثار قرار قضائي بتزويج فتاة عمرها 13 عاماً بـ"مغتصبها" جدلاً واسعاً في تونس بعد أن قضت محكمة الناحية بمحافظة الكاف شمال غربي العاصمة بذلك، بطلب من العائلتين اللتين تجمعهما علاقة مصاهرة.
الضحية القاصر تعرضت في وقت سابق لعملية اعتداء جنسي "برضاها "، وفق ما أكدته الجهات القضائية، وهي حالياً حامل في شهرها الثالث، ويبدو أن رابط القرابة الذي يجمع بين العائلتين المتصاهرتين (إذ إن شقيقتيها متزوجتان بـشقيقَي المعتدي) دفعهم لمحاولة تسوية القضية بشكل ودي، لا سيما أن القانون التونسي يسمح للمغتصب بالزواج بضحيته، ليسقط على أثر ذلك حق الملاحقة بحسب ما يشير إليه الفصل 227 مكرر من القانون التونسي .
وينص هذا القانون على أنه "يعاقب بالسجن مدة 6 أعوام كلُ من واقع أنثى دون عنف، سِنّها دون الـ15 عاماً كاملة. وإذا كان سن المجني عليها فوق الـ15 عاماً ودون الـ20 سنة كاملة، فالعقاب يكون بالسجن مدة 5 أعوام.. وزواج الفاعل بالمجني عليها في الصورتين المذكورتين يوقف التتبعات أو آثار المحاكمة".
وزارة الطفولة على الخَط
وزارة المرأة والطفولة في تونس سارعت بإصدار بيان عبّرت خلاله عن انشغالها بوضعية الطفلة التي تمّ في شأنها استصدار إذن قضائي يقضي بزواجها بالمعتدي عليها، مؤكدة أنها تحركت مباشرة بعد قرار المحكمة بتزويج الفتاة، في محاولة منها لإبطال عقد الزواج في إطار تغليب مصلحة الطفلة، بحسب نص البيان.
كما دعت الوزارة، من جهة أخرى، مجلس نواب الشعب "لضرورة التعجيل في النظر في مشروع القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذي يهدف إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف، وذلك بالوقاية منه وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا ومساعدتهم".
الإشكال في القانون وليس في الحكم
وكيل الجمهورية بمحافظة الكاف، شكري ناجي، أكد لإذاعة "إكسبراس إف إم " التونسية أن القاضي طبّق القانون التونسي بحذافيره في قضية الفتاة وليس عليه أي لوم، لا سيما أن عائلة الفتاة "المغتصَبة" هي من طلبت من القاضي تزويج ابنتهم، مشدداً على أنه لا يمكن استئناف أو نقض الحكم، وأن الحل حالياً يكمن فقط في اللجوء إلى قاضي الأسرة لإبطال عقد الزواج.
بدوره، اعتبر المحامي منير بن صالحة في تصريح لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن القضية لا تتعلق بواقعة اغتصاب؛ بل بمواقعة أنثى برضاها، لكن الإشكال هو في عمر الفتاة التي تجاوزت الـ13 سنة، مضيفاً: "المشكلة في هذه الحالة لا تتعلق بحكم القاضي بتزويج الفتاة، لأنه استند إلى نص قانوني وهو 227 مكرر من المجلة الجزائية وطبقه".
رَضِي الخصمان ومعهم القضاء
بن صالحة اعتبر أنه في قضية الفتاة القاصر، القاضي وجد نفسه في وضعية جد حرجة؛ حيث إن عائلتي الشاب والفتاة هما من طلبا إبرام عقد الزواج برضاء الطرفين، مضيفاً:" الفتاة ورغم صغر سنها وقفت أمام القاضي ويداها مخضبتان بالحناء وطلبت من القاضي أن يزوجها بالشاب، معبرة عن حبها الشديد له، كما أكدت العائلتان أنهما بصدد التحضير لحفل الزواج".
واستدرك: "هنا، القاضي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يرفض الزواج ويضع الشاب في السجن وتبقى الفتاة حاملاً في بيت أهلها حتى تضع مولوداً غير شرعي ووالده في السجن، وإما الإذن بالزواج لا سيما أن الأخير تعرض للضغط وصل حد تهديده بالأسلحة البيضاء من العائلتين في حال لم ينفذ حكم الزواج".
المحامي لفت إلى أن البيئة المحافظة التي تعيش فيها العائلتان المتصاهرتان وأمام حمل الفتاة من الشاب لم تجد بداَ من لملمة الموضوع حتى لا يدخل الشاب السجن، وذلك بتزويجهما، لاسيما أن شقيقتيْها الكبرييْن متزوجتان بشقيقَي الشاب المعتدي.
بن صالحة اعتبر في ختام حديثه أن القضاء التونسي أصبح أمام وضع استثنائي؛ فالحكم خرج مستنداً إلى قانون واضح من جهة، غير أنه قوبل بمعارضة حقوقية شديدة من جهة أخرى، ولا حل هنا إلا بتعديل القانون وهي أيضاً مسألة معقدة جداً لا بد من النظر فيها بتمعن، وفق تعبيره.
مطالبات بإسقاط القانون المثير للجدل
النائبة في البرلمان التونسي والحقوقية بشرى بلحاج حميدة، أكدت لـ"هافينغتون بوست عربي" أن مطلب إسقاط الفصل المثير للجدل والذي يسمح بتزويج الفتاة بمغتصبها بإسقاط حقها في ملاحقته قانونياً والسجن للمعتدي مثّل -ولا يزال- مطلباً نادت به جمعيات حقوقية تونسية، أبرزها "جمعية النساء الديمقراطيات"، مؤكدة أنها كنائبة في مجلس الشعب ستعمل على التسريع في تنقيح وإسقاط القانون المثير للجدل في أسرع وقت.
كما فجّرت قضية زواج الفتاة القاصر بالشاب الذي اعتدى عليها جدلاً واسعاً عبر شبكات الاجتماعية، حيث طالب تونسيون بتنقيح أو إسقاط الفصل الذي ينص على تزويج الفتاة بمغتصبها.
جدل ليس بالجديد
إثارة قضية زواج الفتاة بمغتصبها والتي يسمح بها المشرع التونسي في أحد فصوله ليست بالجديدة، حيث أثير حذف مماثل عندما دعا مذيع تونسي في أحد برامج تلفزيون الواقع، على قناة الحوار التونسي الخاصة، منذ أشهر، فتاة للزواج بمغتصبها؛ درءاً للفضيحة والعار.
ووصل صدى هذا الجدل لوسائل الإعلام العالمية، ما دفع بالسلطات التونسية لإيقاف البرنامج ومعاقبة المذيع لمدة 3 أشهر لا تزال سارية حتى اللحظة.
هافينغتون