آية السيف صاحبة لقب أفضل امرأة قيادية حول العالم، هي سيّدة أعمال تونسية، حفرت في الصخر لتحقق حلمها بحيازة مصنع للحاملات الخشبية رغم صغر سنها، واستطاعت أن تصل إلى منبر المم المتحدة لتلقي خطابا هناك. هي زوجة وأم لطفلة، وزوجها يعمل معها في المشروع نفسه. هي خريجة كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، وتحمل شهادة في الدراسات المعمقة في التجارة الدولية، أما عن المشروع فلقد انطلق سنة 2007 بعد مثابرة وإصرار ورحلة شاقة لإقناع البنك بإقراضها، خصوصا أن تكلفته كانت غالية. عن مسيرتها وأحلامها كسيدة أعمال وكامرأة تونسية كان لـ " وكالة أخبار المرأة " حوار مطول مع آية السيف.
* آية السيف امرأة تونسية، هل يمكن أن يعدّ ذلك عاملا مساعدا لنيلك لقب أفضل امرأة قيادية حول العالم؟
- المسألة مرتبطة بالأساس بتساؤل لماذا نحن بارزات. أعتقد أن الإجابة هي أننا نملك من الجرأة ما يمكّننا من الخروج من حدود تونس للبروز بشكل أكبر، ومن الطرائف التي حصلت لي أن أحدهم اتصل بي من موسكو وسألني لماذا أنت بالذات نلت هذا اللقب، فأجبته لأني تونسية. لدى المرأة التونسية إشعاع خاص وهي تتصدّر العالم لأنها تتحدّث بطلاقة مع الجرأة التي تحدثت عنها مسبقا. يعود ذلك بالأساس للتعليم، فنظام بورقيبة علّم المرأة وجعلها مطّلعة. من ناحية أخرى، تختلف مشاكلنا عن مشاكل النساء في البلدان الأخرى للمنطقة، فمثلا تحتاج المرأة لكفيل كي تُحدث مشروعا في بعض بلدان الشرق الأوسط، ونساء الأعمال في الخليج يحتجن لإرث عائلي من الجدّ أو الأب أو غيرهما. أما في تونس فلا نتحدّث عن مشكل في التفرقة الجنسيّة أو نسبة كبيرة في العنف ذلك أن المرأة ليست مقيّدة، ولذلك نجد أن نسبة الطلاق كبيرة لدينا لأن المرأة مستقلة بذاتها وبشخصيتها وبقرارها. وهي أيضا مستقلة اقتصاديا مما يجعلها مندمجة في الدورة الاقتصادية، كما أنها مندمجة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بنسبة كبيرة مقارنة بالنساء من البلدان العربية الأخرى.
* كيف تفسرين مفهوم المرأة القيادية من منظورك الخاص؟ وهل تحتاج إلى شروط معينة لذلك؟
- المرأة القيادية هي التي قررت الخروج عن النمطية للقيادة في أي مجال وللريادة في مجموعة لها وزنها، وهي قادرة على التأثير ولفت الانتباه. في العالم اليوم صاروا يبحثون عن التأثير وفهموا أنه في كل منطقة هنالك أناس لديهم تأثير خاص على الآخرين، ولديهم آراء تمس الجماهير، وهم الروّاد الذين لا يخرجون من فراغ بل إنهم يقدّمون حلولا للمشاكل ويتركون بصمة ويحاولون تغيير المنوال النمطي، مثال على ذلك اختيار الممثل ليوناردو دي كابريو في مؤتمر البيئة.
أما الشروط اللازمة لتكون المرأة قيادية هي أولا الاستقلالية بأفكارها وآرائها فلا يجب أن تكون خاضعة لقيود، وعليها أن تمتلك رأيا مخالفا للمجموعة لتشخيص الواقع.، والشرط الثاني هو الإصرار والعزيمة فعلى المرأة أن تمتلك رؤية استشرافية للمستقبل وقادرة على خلق سيناريوهات مستقبلية. عامّة، تخلق المرأة سيناريوهات إيجابية فالمرأة بطبعها متفائلة أكثر من الرجل لأنها تنتظر الأفضل حتى بالنسبة إلى أبنائها. الشرط الثالث هو أن تكون حكيمة ومسؤولة قادرة على التصرّف. عادة، لا يخطّط الرجل في استنفاذ الأموال بعكس المرأة التي تحسب نسبة المخاطر وتفكر أكثر في المستقبل. إن المرأة مسئوليتها كبيرة فأنا أعتبرها مجتمعا مصغّرا، فالأم التي تخاف على أولادها تشبه السياسية، عليها التفكير في الجيل المستقبلي وانعكاسات السياسات الحالية على الغد. نسبة نجاح المرأة تفوق الرجل لأنها تتطلّع دائما للأجيال القادمة لتضمن مستقبلها. سياساتها هي سياسات اقتصادية فهي تتعامل بمنظومة الادخار القومي، تدّخر من المصروف للزمن، وبالتالي فهي مسألة فطرية، أمّا الرجل فيحبّ لعب دور البطولة. في يد المرأة التونسية الشفاء وفيها الداء، ذلك أنّها تدلل الذكر أكثر من الأنثى ولذلك يتربى الرجل الأوروبي بشك مختلف عن العربي إذ يتربى على المساواة. من جهة أخرى فإنّ المرأة الريفية امرأة حكيمة ومتصرّفة بارعة ورغم أمّيتها تقوم باستثمارات صغيرة لكنّها تحتاج للنزول إلى الميدان ومشكلتها الأساسية في النفاذ إلى المعلومة. قامت مؤسسة أندا للتمويل بتسهيل وصول المعلومة على عين المكان في إطار الاجتماعات التي قمت بها والتي التقيت فيها بنساء ريفيات، وتمّ بالفعل تأطير عدد من المشاريع الصغرى كتعليب "كرموس" تين دجبّه. إن المرأة نصف المجتمع وبالتالي فإنّ اندماجها في اقتصاد البلاد يجب أن يكون بنسبة 50% لا بنسبة 30% كما هو الأمر للعديد من المناطق وهذا ليس في صالح الدولة، فنحن نعوّل على الصادرات وأسواقنا ضيّقة ومتأزّمة، لدينا فاعلين ديناميكيين للتصدير مثل المرأة الريفية. هذه المرأة تعرف ما ينقصها وعارفة بالميدان لأنه بنت هذا الميدان، مشكلتها الوحيدة في التسويق ويجب خلق جسور تسهل عملها. علينا بشكل عام أن نعمل من أجل اقتصاد متماسك.
* هل هنالك تحديات واجهتك منذ نيلك لهذا اللقب؟
- أذكر أهمّ طرفة حصلت معي وأعتبرها تحديا هاما واجهته منذ بداية عملي، وذلك حين توجّعت إلى مركز الشرطة لاستخراج بطاقة تعريف وطنية، موظف بالمركز قال لي أنني صغيرة على رتبة رئيس مدير عام لمؤسسة، ورغم أني أثبت رتبتي كمدير عام من خلال الوثائق إلا أنه لم يقتنع وقال أني امرأة وصغيرة ثم سجل في بطاقتي "وكيل قانوني" فحصلت مناوشات معه ولم يعيرها إلا بعد شهر. هذا المشكل له دلالات كثيرة، منها أن المرأة الشابة لا يحق لها تصدر منصب كبير. والحال أن الواقع يقول وبالإحصائيات أن سياقة الرجل متهورة أكثر من المرأة، وبشكل عام فإن الرجل لا يقيس نسبة المخاطر بعكس المرأة. أما التحدي الرئيسي الذي واجهته هو تمويل المشروع، فبعدما قمت ببحث معمق حول المشروع اكتشفت أن تكلفته الإجمالية تقدر بـ 13 مليون يورو، يعني 26 مليار دينار تونسي، فقمت بتجميع عدد من المهندسين التونسيين، لتقليص المبلغ حتى وصلت به إلى أقل من الربع، بعد ذلك قمت بتقديم المشروع إلى البنك لكن لم أتلقى أية موافقة إلا بعد جهد كبير ومراحل طويلة من الإقناع، ذلك أننا في تونس مازلنا نمتلك عقلية منغلقة قديمة محبطة.
* قلت في أحد الحوارات: "إن الطريق لتحقيق الأحلام هو الإصرار عليها لنقلها إلى أرض الواقع، فكل شيء يبدأ كحلم ، وكل منا يجب أن يبحث عن نقاط القوة لديه لكي يحقق ما يريد، ولكن ذلك لا يتم إلا من خلال العلم." كيف بدأ حلم آية السيف لتصل إلى ما وصلت إليه اليوم؟
- منذ صغري وصورتي في المعمل من أبرز أحلامي، ولقد تماشت دراستي مع الحلم. أنا امرأة أحب التحدّي منذ طفولتي، أذكر أني رميت بنفسي في مسبح عميق في طفولتي، وكنت دائما أتسلق الأماكن الصعبة، أمي تقول لي دائما أني أحب ركوب الصعب. لقد خضت الكثير من التجارب ولم أقرأ يوما عنصر الفشل ولا أحسب هامش الخطر كثيرا، المهم عندي الهدف وبالإمكانيات المتوفرة.
* تحدّثت عن والدك كثيرا، وعن ذهابك معه للمصنع الذي كان يعمل فيه في ألمانيا، فهل كان لهذه العلاقة تأثير على شخصيتك؟
- لقد قضيت سبع سنوات في ألمانيا مع عائلتي، ولزمني وقت طويل للتأقلم في تونس، وكان التصادم الثقافي وكنت مدعاة للسخرية أحيانا مما خلق في داخلي شخصية متحدية قوية، إما أن أستكمل مشوار حياتي هنا أو أنعزل عن العالم، فكيف يمكنك أن تفرض نفسك أمام عقليات أخرى، كيف يمكنني الاندماج؟ المدرسة نفسها تفرض عليّ ثقافتها. كان الاتصال الأول مع الجدة فلم أتقبل البطاطا المقلية في المقلاة و لم أقبل الخبز بالحليب كفطور للصباح، كانت صدمة ثقافية بالنسبة إليّ احتجت من خلالها مجهودا مضاعفا لتكوين شخصيتي. ومن الأشياء التي كوّنتني أيضا هي كتاب قرأته عن مذكرات محام أعادني إلى الصفحات الأولى من حياتي. إنّ هنالك علاقة كبيرة بين أتحدّث عنه الآن من مشاريع وما عشته في طفولتي، لديّ تحمّس كبير لمواضيع تهم الطفل في تونس وأتساءل دائما لماذا لا يعيش أطفالنا في تونس ما عشته في ألمانيا وأذكر مثالا المتنزهات الكبرى بما تحويه من ألعاب مناطق خضراء. هنالك ألعاب تعلمك التحدي وأن الوصول ليس صعبا مثل شبكات التسلّق، ولعبة الليغو التي تعلم الطفل كيف يبني. الأخلاق عامل أساسي لاستمرارية الدولة ولا تكون إلا من خلال التربية بالتوازي مع التعليم، لإعمار شخصية الطفل وصمان مستقبل الدولة السليم. علينا ترسيخ ثقافة العمل لدى الطفل فحين يتعلم الزراعة يفهم قيمة الحصاد. كل هذه رسائل مشفّرة لا نقرؤها إلاّ حين نكبر، ولذلك أدافع عن الطفولة فاستمرارية الدولة باستمرارية الأجيال والعمود الفقري هو التعليم.
أما الأمم المتحدة فلقد كانت تمثل حلما بالنسبة إليّ، وكان عليّ المرور بجسور عديدة للوصول إليها وكان ذلك في مارس 2016 حيث قدمت خطابا في حرم الأمم المتحدة.
* ما هي العراقيل التي واجهتها في تحقيقك لحلمك؟
- المشكل أنني مطالبة ببث ذبذبات إيجابية ولذلك فأنا أحضر التجمعات الطلابية لألقي خطبي فيها بدل المؤسسات المالية لأنني لا أعرف رمي الورود. الجيل الجديد هو قادة المستقبل، هو هيكل المجتمع الذي يحتاج إلى نظرة استشرافية إيجابية، ومع بعض الإصرار يمكننا التقدم. أقدّم لهذا الجيل رسالة أمل خصوصا أنني قريبة منهم في السن، صحيح أن هنالك عقبات لكن يجب أن يشحنوا أنفسهم بالإصرار وأن يمتلكوا رؤية استشرافية.
*هل تعتقدين أن تونس بعد 14 يناير قادرة على إنجاب قياديّات في ميادين مختلفة؟
- إن المناخ اليوم سلبي وعندما تحسّ أنك داخل أسرة مضطربة لن تكون مرتاحا. إن القائد هو قائد السفينة أمامه تحديات مناخية من بينها التحديات البيئية مثلا. إن القائد يرى المشهد على مدى عقود من السنوات القادمة، يعرف الطاقات الموجودة والاتفاقيات المبرمة ولديه حلول بديلة ولديه منوال عمل يتجاوب مع التحديات المستقبلية لضمان الاستمرارية والاستقلالية. هنالك قيود دولية على مدى سنوات لذلك على القيادات أن لديهم رؤية استشرافية. أذكر أنه في مركز الاستشرافات في لندن خاطبني رجل أمريكي قائلا: أنت محظوظة لأن معدل السن هنا 60 سنة وانت سنك 35 عاما وتجلسين معنا على الطاولة نفسها، فأنت قادرة على رؤية نتائج عملك والسياسات التي تخلقينها وقادرة على حصد ما زرعت.
في تونس هنالك تبعية اقتصادية لا توازن بين الاستهلاك والانتاج والجيل الجديد مستهلك بدرجة أولى، يفرض عليه التعامل مع منتجين أجانب، وهذا المنتج يعرقل الاقتصاد في البلاد لأنه يفرض عليك تبعية تجارية من خلال الاقتراض. تونس قادرة على خلق حياة جديدة من خلال ثرواتها والطاقة البديلة لكن سياساتنا مرتبطة باللوبيات وسياسيين ممولين من قبل أناس يخدمون أجندة تعمل على الاستعمار الاقتصادي للبلاد.
الزميلة الثريا رمضان سكرتيرة تحرير وكالة أخبار المرأة خلال إجراء الحوار الصحفي مع سيدة الإعمال المتميزة أية السيف
أية السيف تتفقد ألالات مصنعها وتصدر توجيهاتها وتعليماتها للعمال
سيدة أعمال مثقفة تعشق الكتاب
أفكارها جاهزة لطرحها على بساط البحث والنقاش خلال إجتماع عمل هام
تونس في قلبها وعقلها وخير سفير لبلدها في عالم الأعمال