كان يُحكم على الإناث بالموت لحظة ولادتهن إلى أن جاء الإسلام وحرّم عمليات الوأد، لكن الفكرة والرغبة بقيت محفورة داخل العقل الأعرابي، وإن مبيّتة أو مؤجلة، وصار لها أسماء ووسائل أخرى منها جرائم الشرف...
لا فقط العديد من قضايا القتل سُجّلت أو لم تُسجّل في الأردن باسم هذه الذريعة التي لا ذريعة لها، بل وأكثر من ذلك، تمّ تعيين متّهم سابق بجريمة قتل أخته وزيراً ولو ليوم واحد.
اليوم وأنا أرى حملة (لا لقتل النساء) أقف أمام الشعار بحزن، وأقف وراء من وقفوا خلفه!
هل هذا ما وصلنا إليه؟ هل أصبح هذا أقصى طموحنا؟
لقد تم إنجاز هذه الثورة قبل 1400 سنة، دون وجود اتحاد عام للمرأة، وقبل وجود أحزاب، ومنظمات مجتمع مدني!
كم نحن متأخرون!
في وقت مانزال نطالب فيه بوقف قتل النساء أستغرب ممّن أسمانا (مجتمعا) وممّن يلحق لقب (مدني) بمجتمع!
ستوافق الحكومة على شعار الحملة، وسيقولون (لا لقتل النساء) ،ويرتدون "التيشيرتات" مع صف الواقفين أمام البرلمان، ويتصورون "سيلفي" مع الصبايا ...
الكلمة التي ألقيت وتضمنت بعضاً من القضايا الهامة التي تتجاوز الشعار المرفوع أهم من التشيرتات التي تحمل الشعار المحزن والمخجل، لكن، هل سنضطر للوقوف مرة أخرى من أجل حصول أبناء الأردنيات على جنسية لأبنائهن بعد أن قبض البعض ثمن صفقة قبول الحقوق المدنية؟
أخشى يا "عيني"، أن ينسيكِ منصب بمجلس الأعيان أو كوتا البرلمان، قائمة لا تنتهي بالجرائم التي يتستّر عليها القانون!
ما أخشاه أكثر "قلّة" الرجال أو بالأحرى "كثرة" الرجال الموجودين في موقع المستفيد من هذه الجرائم التي تتمّ ويبرّرها القانون.
يا صديقاتي طالما أنّ المشرّع "رجل" والمنفّذ "رجل" لا أستغرب شعاراً كالذي رفعتموه! ولن أحلم بشعارات مثل "نعم للمساواة في الأجور بين الجنسين" أو "نحو تحقيق ظروف عمل مناسبة للأمهات" أو "الأم وصيّة على أبنائها أمام القانون كما الأب" أو أو أو...
لو كنت معكن في عمان لن أرتدي تيشيرت أنيق يحمل ذاك الشعار البائس، أفضّل ارتداء فانيلتي البيضاء الممزقة من طرفها الأيمن!
وقتي لا يساوي شيئاً ربما، لكن كم من الوقت تملكون لتخرجوا وتقفوا ألف وقفة لكلّ قضية من قضايا النساء في بلادنا ...
نحن بحاجة لمأسسة النضال "النسوي" خارج الأطر الضيقة، لا لن أقول "النسوي" بل "الإنساني" لأنه يعني الجنسين ويعني كل أفراد المجتمع وليس نضالاً يخصّ النساء وحدهن!
أتمنى أن أسبّب الإزعاج للمنظّمين للحملة (صديقاتي ورفيقاتي) من باب الغيرة عليهن، غيرة الحبّ لا غيرة الوصاية.
في العادة نبتسم للصور، لكننا في صور المسيرات نعبس أمام الكاميرات، لا تهمني الشفاه، فاللسان يقول ما لا يفعل، تهمني النظرة الشمولية، في هذا الوقت هناك إمرأة لم تأخذ إذن زوجها لتخرج من المنزل، وأخرى سكتت عن تحرش من نائب في البرلمان، وأخرى لم تجد حضانة تضع فيها ابنها.
طيلة السنوات الماضية كنا نلعب بالسياسة، ونتقاتل على المناصب ونسينا أننا أنفسنا من قتلنا الفنانة وأغلقنا فم الساخرة، وجعلنا وظيفة المهندسة لف ورق الدوالي وترتيبه في الطنجرة ...