اللبن واللبأ في الجذور ، كلاهما اسم جنس خاص بالحيوانات اللبونـــة ، فاللَّبَنُ: معروف اسم جنس . قال الليث : اللَّبَنُ خُلاصُ الجَسَدِ ومُسْتَخْلَصُه من بين الفرث والدم، وهو كالعَرق يجري في العُروق، والجمع أَلْبان، والطائفة القليلة لَبَنةٌ . قلت وهذا يخصُّ الثدييات .
وفي الحديث: أَن خديجة، رضوان الله عليها، بَكَتْ فقال لها النبي، صلى الله عليه وسلم: ما يُبْكِيكِ؟ فقالت: دَرَّت لَبَنةُ القاسم فذَكَرْتُه؛ وفي رواية: لُبَيْنةُ القاسم، فقال لها(1): أَما تَرْضَيْنَ أَن تَكْفُلَهُ سارة في الجنة؟ قالت: لوَدِدْتُ أَني علمت ذلك، فغضبَ النبي، صلى الله عليه وسلم، ومَدَّ إصْبَعَه فقال: إن شئتِ دَعَوْتُ الله أَن يُرِيَك ذاك، فقالت: بَلى أُصَدِّقُ الله ورسوله؛ اللَّبَنَةُ: الطائفة من اللَّبَنِ، واللُّبَيْنَةُ تصغيرها (2) .
وفي الحديث: إن لَبَنَ الفحل يُحَرِّمُ؛ يريد بالفحل الرجلَ تكون له امرأَة ولدت منه ولداً ولها لَبَنٌ، فكل من أَرضعته من الأَطفال بهذا فهو محرَّم على الزوج وإخوته وأَولاده منها ومن غيرها، لأَن اللبن للزوج حيث هو سببه، قال: وهذا مذهب الجماعة، وقال ابن المسيب والنَّخَعِيُّ: لا يُحَرِّم؛ ومنه حديث ابن عباس وسئل عن رجل له امرأَتان أَرْضَعَتْ إحداهما غلاماً والأُخرى جارية: أَيَحِلُّ للغُلام أَن يتزوَّج بالجارية؟ قال: لا، اللِّقاحُ واحدٌ.
وقال صاحب المقاييس:
اللام والباء النون أصلٌ صحيح يتفرَّع منه كلمات، وهو اللّبن المشروب. يقال: لبنتُه ألبِنُهُ، إذا سقيته اللَّبن.
وفلانٌ لابنٌ، أي عِنده لبن، كما يقال تامر ، أي عنده تمــر . قال:
وغَرَرتَنِي وزعمتَ أنَّـــــــــــ***ــــــــكَ لابنٌ بالصَّيفِ تـامرْ
أما اللَّبَــأ : اللِّبَأُ، على فِعَلٍ، بكسر الفاء وفتح العين: أَوّلُ اللبن في النِّتاج ويسميه مُرَبُّـو الماشية بالصمغة ، وهو اسم علمي دقيق . قال أَبو زيد : أَوّلُ الأَلْبانِ اللِّبَأُ عند الوِلادةِ ، وأَكثرُ ما يكون ثلاثَ حَلْباتٍ وأَقله حَلْبةٌ .
وقال الليث: اللِّبَأُ ، مهموز مقصور: أَوَّلُ حَلَبٍ عند وضع الـمُلْبِئِ .
ولَبأَتِ الشاةُ ولَدَها أَي أَرْضَعَتْه اللِّبَأَ، وهي تَلْبَؤُه، والتَبَأْتُ أَنا : شَرِبتُ اللِّبَأَ.
ولَبَأْتُ الجَدْيَ: أَطْعَمْتُه اللِّبَأَ .
ويقال لَبَأْتُ اللِّبَأَ أَلْبَؤُه لَبْأً إِذا حلبت الشاة لِبَأً.
ولَبَأَ الشاةَ يَلْبَؤُها لَبْأً، بالتسكين، والتَبَأَها: احْتَلَبَ لِبَأَها.
وأَلْبَأَتِ الشاةُ: أَنزلت اللِّبَأَ ، وقول ذي الرمة :
ومَرْبُوعةٍ رِبْعِيَّةٍ قد لَبَأْتُهــا، *** بِكَفَّيَّ، من دَوِّيَّةٍ، سَفَراً، سَفْرا
فسَّـره الفارسي وحده ، فقال : يعني الكَمْأَةَ . مَرْبوعةٍ : أَصابهـــــــا الرَّبيعُ .
ورِبْعيَّةٍ: مُتَرَوّية بمطَر الربيع؛ ولَبَأْتُها: أَطْعَمتها أَوّل ما بَدَتْ، وهي استعارةٌ، كما يُطعَمُ اللِّبَأُ. يعني: أَن الكمَّاءَ جنَـاهــــــا فبَاكَرَهم بها طَرِيّةً ؛ وسَفَراً منصوب على الظرف أَي غُدْوةً؛ وسَفْراً مفعول ثانٍ للَبَأْتُها ، وعَدَّاه إِلى مفعولين لأَنه في معنى أَطْعَمْت . واذا انتهى اللبأ من ضرع الدابة وأنزلت حليبا صافيا يقال عنها أفصحت.
وثبت علميا أن اللبأ حليب غني بالبروتينات، وهو يناسب الرضيع أول حياتـــه، ذلك أنَّ من رحمة الله تعالى بمخلوقاته أنَّ الحليب الطبيعي يتطوّر ويتغيّر حسب حاجــة الرضيع ولذلك ينصح الأطبّـاء بعدم اللجوء إلى الإرضاع الصناعي إلا عند مسيس الحاجة.
هذا عن اللبن لدى الثدييات يخرجه الله من بين فرْثٍ ودم سائغا للرضيع ، ولكننــا
نسمع كثيراً عن لبن العصفــــور، ويستعمل الكثير من الناس هـذا التعبير حينمـــا يقصدون الشئ المستحيل , فهل للعصفور والطيور لبن يا تُرى ؟
الإجابــة هي نعم , إنَّ للعصفور لبناً ، كما لغيره من الطيور ولايختلف في تركيبـه الكيميائي عن لبن أي حيوان آخر ، فهو يحتوي على المادة البروتينية المعروفــة ( الكازائين) و يحتوي على نسبة من الدهن وسكر اللاكتوز، وهي نفس مكونات اللبن الطبيعي.
لكن لبن الطيور عامة يختلف عن لبن الحيوانات الأخرى في بعض خواصّــــــــــه الطبيعية لأنه ليس بسائل ، ولكنه على هيئة فتات أبيض اللون هش سريع التكسر أشبه ما يكون بفتات الجبن الأبيض , حيث أنَّــه في زمن حضانــة البيض يتحــوَّر النسيج الداخلي لحويصلة الطائر تحوّراً دهنيا ويزداد سمك الغشـــاء المبطن لهذه الحويصلة فيبلغ في الأناث مليمترا ونصف، وفي الذكــــور ثلاثة مليمترات, هـــذا الغشاء لايزيد في الأوقات العادية على جزء من عشرة أجزاء من المليمتر . ويفرز كلاً من الذكر والأنثى اللبن من الحويصلة, لذلك يشترك كلاهما في إطعـــام الصغار, و لعلنا جميعا رأينا كيف تضع العصفورة منقارها في فم فراخها معتقدين أنها تطعمهم فقط حبة شعير أو قمح, لكنها في الواقع تطعمهم لبناً حقيقياً موجوداً في الحويصلة وتقوم باسترجاعه الى فمها ومن ثم الى منقارها ومنه الى فراخها .
إذن لبن العصفور حقيقة وليست خرافة بل إنَّ العلماء يستخدمون الحمام و العصافير في معايرة هرمون الغدة النخامية المدرِّ للّبن . ولكنّ هذه الحقيقـة ليست على إطلاقها، وإنما هي من باب المجاز العلمي، فهناك فارق بين الحليب المعروف وبين حليل الطيور، فالأخير مواد بروتينيّة جامدة تزقُّهـــا العصافير والطيور عامّة الى فراخهـــــا ، وهو مفرز مشترك بين الأنثى والذكــر ، بينمـــا الحليب الحيواني خاص بالإناث فقط من الثدييات ( ذوات الأثداء) ، ولبن الطير مفرز من حواصلهـا بينما الحليب الثديي يُفـرز وفق آليّةٍ خاصّــة ويخزن في الأثـــداء وليس الحواصل، ولا حواصل أصلا ً للثدييات .
---------------------- هامش :
(1)جاء في غريب الحديث لابن الجوزي :
وبكت خديجة فقالت درت لبنة القاسم فذكرته اللبنة القطعة القليلة من اللبن .
وفي الحديث عليكم بالتلبين وهو حساء يعمل من دقيق أو نخالة وربما جعل فيه عسل سميت بلبينة تشبيها باللبن لبياضها ورقتها
في الحديث إن أكل كان لبينا أي مدرا للبن ولبين بمعنى لابن كأنه يعطيهم اللبن والإشارة إلى حمل السلم .
وفي الحديث وصحيفة فيها ملبنة أي ملعقة .
وقوله : فيها بنت لبون وهي التي أتى عليها حولان ودخلت في الثالث فصارت أمها لبونا بوضع الحمل .
(2)سبب غضب النبي عليه الصلاة والسلام، كأنها عليها السلام أبدت شكَّا ً باخباره لها أن ولدها بأيدٍ أمينة . رَ : السيرة النبوية للسهيلي 1/ 190 .