كان من الأفضل لموقع قناة "أم.تي.في" ان يضيف على الخبر، الذي نشره تحت عنوان "في حكومتنا وزيرة محجبة!"، عبارة "يا للهول!". اذ تبدو هذه العبارة ملائمة له، ومناسِبة لمَنطِقه الإعلامي. فقد بوغتَ الموقع بتوزير امرأة ترتدي الحجاب في الحكومة الجديدة، مُذكّراً بوصول عدد من النواب الرجال، الذين سماهم "أصحاب اللحى"، الى البرلمان في العام 1992، في إشارة إلى عدد من ممثلي الأحزاب الإسلامية المتشددة في البلاد، أي "حزب الله" وغيره. فلا فرق بين امرأة محجبة ورجل ملتحٍ، لأن الاثنين يجسدان "المسلم".
من يقرأ خبر موقع "أم. تي.في"، ينتبه الى انه مكتوب بصيغة الخوف الهوياتي. وذلك، بدءاً من العنوان، ونزولاً الى محتواه، الذي ينبئ بكون توزير عناية عز الدين، هو بمثابة واقعة تاريخية، غير مسبوقة، "أثارت فضول الكثير من اللبنانيين إناثاً وذكوراً". فإسم الوزيرة "مغمور"، بالاضافة الى ان "انغمارها" هذا، يُمتّنه مظهرها، أي حجابها، الذي لا يشير الى هويتها المسلمة فقط، بل يُفيد، وبحسب منطق الموقع، الى أنها غير مشهورة في الوسط السياسي على الأقل. مَن هي هذه المحجبة، وبالتالي، المغمورة؟ كاد الموقع أن يسأل، قبل أن يجيب بسيرتها الذاتية.
يعترض الموقع على توزير محجبة، لا سيما ان اختيارها لمنصبها سبقه طرح لـ"أسماء نساء كثيرات"، وهن، على افتراض الخبر، او بالأحرى يقينه، سافرات. ولأنهن على هذه الحال، هن مشهورات ايضاً. لكن، لم تُوزّر اي امرأة منهنّ، بل استُعيض عنهن بالمسلمة، والمحجبة، والمغمورة.
على اثر هذه الواقعة الوقحة، قرر الموقع أن يُقاربها كأنها لم تحصل في "لبنانه"، إنما في "لبنان" عز الدين. والاختلاف بين "اللُبنانَين"، المشهدي على الأقل، أن لبنان "أم.تي.في" خالٍ من المحجبات والمسلمات والمغمورات، وذلك، على عكس الثاني، الذي يزدحم بهن، حتى لا يعود فيه اي امرأة سافرة ومسيحية ومشهورة.
لقد سيطر لبنان الحجاب والإسلام والمغمورين على لبنان السفور والمسيحية والشهرة، كأن موقع القناة قالها بلا أن يعلن "هزيمته" مباشرةً. وأضاف إن حصة رئيس اللبنانيين، ميشال عون، في حكومته، فرغت من النساء، وهكذا، لم يعد لنساء لبنان السافر أي وزارة.
ثمة حكم مشهدي في خبر "أم.تي.في". فمن خلال لعبة بسيطة، يُمكن كشفه، بحيث أن موقع القناة، وعلى أساس منطقه الهوياتي المتشنج، ما كان لينشر اعتراضه المُستهجِن لو أن الوزيرة كانت مسلمة غير محجبة، وتمتلك صورة شخصية غير مبكسلة. فما يرفضه الموقع، في الأصل، هو مظهر الوزيرة غير العصريّ بحسبه، ولهذا، وصفه بـ"المغمور"، قبل ان يجمع بين لاعصريتها وحجابها، ويربطهما بهويتها الدينية. فعز الدين هي أولاً، غير عصرية، وثانياً، محجبة، وثالثاً، وفي نتيجتهما، مُسلِمة، أي أن الموقع استنتج إسلامَها من لاعصريتها، وأكد خلاصته بحجابها.
ربما استغرب كثيرون توزير عز الدين، نظراً الى عدم توزيرها من قبل، الا ان موقع "ام.تي.في" استثمر في استغرابهم هذا، وفسره بالاستناد الى تصوّره الهوياتي عن "لبنانه"، كبلد خالٍ من مثيلات عزالدين، اي المحجبات، اللاعصريات، والمسلمات.
"في حكومتنا محجبة" أيها اللبنانيون. تخيلوا!
لكن، لا تذعروا من هذا النبأ فقط، لأن في بلادكم محجبات ايضاً. ثم، ان هذه الحكومة، التي من المفترض انكم قضيتم أيامكم تنتظرونها لكي تخلصكم من أزماتكم، هي حكومة "الإسلام"، وليست حكومتكم، فكان الله الى جانبكم في تحملها.
لقد غاب عن "ام.تي.في" ان القسم الأكبر من المواطنين اللبنانيين، السافر والمحجب، نساءً ورجالاً، لم يستغربوا توزير عز الدين بشخصها، بل اندهشوا من تشكيل حكومة في بلادهم. ذلك انهم لم ينتبهوا الى غيابها من قبل، تماماً مثلما كانوا حين لم يشعروا بالفراغ الرئاسي قبل مَلئه. ففي بلادهم حكومة، وحقائب، وأسماء، ووعود بالازدهار والرخاء والإصلاح، يا له من أمر حقاً!