الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

زواج التسمية محنة الفتيات في الريف التونسي

  • 1/2
  • 2/2

شريف الزيتوني - تونس - وكالة أخبار المرأة "

يعرف زواج التسمية على أنه عقد معنوي بين عائلتين تتفقان على تزويج غير رسمي لابنيهما فيما يعرف عند هذه العائلات بـ”فلان مِسَّمّي على فلانة” منذ طفولتهما وربما حتى من لحظة الولادة بزعم المحافظة على سلالة العائلة أو تحت منطق “الذي تعرفه أفضل ممن لا تعرفه” حيث يقول بعض التونسيين المحافظين على هذه العادة “أولادنا مسّمْيين على بعضهم” دون إدراك من هذه العائلات لخطورة تصرفها في حق أبنائها.
قصة الفتاة رندة أصيلة إحدى قرى مدينة القيروان الواقعة غرب تونس تختزل جزءا من قسوة هذه الظاهرة. تقول إن وضعيتها أرهقتها وجعلتها تعاني أزمات نفسية جراء القرار العائلي الجائر الذي فرض عليها، حيث اختاروا لها زوجا من لحظة الولادة بطريقة تقليدية متخلفة لم تكن ترغب فيها.
تشتغل رندة اليوم في إحدى الشركات الكبرى في العاصمة ومستواها الدراسي عال وصاحبة مرتب شهري محترم جدا، في حين يشتغل ابن عمها الذي “سُميت عليه” في حضيرة في الساحل ومستواه الدراسي لم يتجاوز المرحلة الثانوية، الأمر الذي خلق فارقا ماديا وثقافيا بينهما وجعلها منذ فترة في وضع صعب لا هي قادرة على مصارحة العائلة برفضها هذا الزواج ولا هي قادرة على مصارحة زوجها المفترض، الذي يعتقد أنها ستتزوجه في كل الحالات، ولا هي متصورة أن تكون له زوجة في يوم من الأيام.
قالت رندة إنها في فترة الطفولة لم تعر المسألة اهتماما بل لم تدرك مدى خطورتها في المستقبل، وكانت متقبلة لها معتقدة أن الحياة في كل العالم تسير بذلك الشكل، وتضيف أنها حتى عند لعبهما وهما صغيران كانا يقومان بدور الزوجين في تماه مع ما حدد لهما من عائلتيهما.
وبعد دخولها المعهد الثانوي وتجاوزها لـ”زوجها” في الصفوف الدراسية باعتباره كان يرسب كثيرا، أصبحت تشعر بنوع من البرود تجاهه (أصلا لم يكن موجودا سوى ذلك الرابط الاجتماعي الذي قيدتهما به العائلتان). واصلت هي دراستها بتميّز في حين انقطع هو واتجه للعمل في المناطق المجاورة في الساحل إلى حين نجاحها في الباكالوريا وتوجهها نحو العاصمة.
منذ ذلك التاريخ اقتنعت رندة أن ذلك العقد المعنوي يعتبر لاغيا بالنسبة إليها وأصبحت تدرك أنه زواج باطل رغم أن الرجل بقي على تواصل معها ويزورها أحيانا في العاصمة ولا تستطيع حتى مجرد التلميح له. خلال دراستها في الجامعة تعرفت على زميل لها من الوطن القبلي، وتعلقت به كثيرا، وشعرت بأن الحب يأتي من خلال رغبة متبادلة بين شخصين ولا يمكن التخطيط له من لحظة الطفولة، فكانت علاقتها به قوية تحررت فيها من كل القوانين الاجتماعية والدينية وعاشا معا كزوجين لفترة طويلة رغم حالة الاختناق التي تشعر بها بسبب “زواجها القسري المفترض” من ابن عمها.
انقطعت علاقتها بزميلها قبل التخرج وتعرفت على شخص آخر من العاصمة يشتغل في شركة كبرى (التحقت به فيها بعد تخرجها) وتعلقت به كثيرا. كان يحدثها عن الزواج لكنها عاجزة عن إجابته ولم تستطع مصارحته بحقيقتها وبقيت معلقة بين رغبة في الموافقة وقيد اجتماعي قاس.
تعيش رندة اليوم حالة من التوتر، وكشفت لـ”العرب” أنها أصبحت تفكر جديا في مصارحة ابن عمها بكل قصتها خاصة أنه بدأ يشعر بجفاء واضح من طرفها عله يتفهم الأمر لكنها ستبقى في كل الحالات في حرج مع عائلتها التي قد تتبرأ منها لو عرفت حقيقتها خاصة في ما يخص علاقتها مع زميلها في الجامعة.
حالة رندة اليوم وربما الكثيرات غيرها تؤكد أن المجتمعات العربية حتى التي تعتبر متطورة مقارنة بغيرها، مازالت تسكنها تقاليد بالية لا يحس قسوتها إلا الأبناء.
قصة مشابهة أخرى حول زواج التسمية، هذه المرة بطلها شاب من مدينة حدودية جنوب تونس يدعى أسامة، يدرس أيضا في العاصمة منذ ثلاث سنوات. يقول إنه أُخبر وهو صغير أن إحدى بنات خالاته ستكون زوجته في المستقبل. حين كان صغيرا لم يكن له رأي فسلم بالأمر وترسخت في ذهنه أنها زوجته رغم أنه يحس ببرود في علاقته معها. أحس مبكرا أن شيئا يضيق عليه حياته، أحيانا تعجبه فتاة في المعهد الذي يدرس فيه لكنه يعجز عن الاقتراب منها لأن بنت خالته تدرس معه في نفس المعهد. أصبح بعد ذلك لا يريد حتى رؤيتها وحتى عندما تسأله هي عن سبب بروده يجيبها بأن ذلك طبع فيه.
وأضاف أسامة  أن العلاقة ازدادت جفاء بعد نجاحهما وتوجههما إلى الجامعة، حيث اختارت هي إحدى جامعات مدينة قابس في الجنوب واختار هو الدراسة في العاصمة.
كانت فرصة بالنسبة إليه للتحرر من قيد كبله لسنوات وربما هي أيضا مثله. سمحت الدراسة في العاصمة لأسامة بربط عدد من العلاقات مع فتيات أعجب بهن دون رقيب يمنعه من ذلك. خلال سنته الثانية في الجامعة أخبر ابنة خالته أنه لم يعد راضيا عن علاقتهما التقليدية ولن يوافق على الزواج، لكنه يعرف أن إقناع أهله بفشل خيارهم ليس سهلا، لكنه يقول إنه حسم المسألة في قطع العلاقة مهما كان موقف العائلتين.
ومن جانبه أكد الباحث في علم الاجتماع، فتحي السياري،  وجود هذه الظاهرة في تونس وإن كان ذلك بحالات نادرة في السنوات الأخيرة، مشيرا إلى أن بعض التونسيين وبِنِيّة تقريب العائلات من بعضها يعتمدون على هذا الشكل من الزواج رغم ما فيه من مضار معنوية قد تحصل للأبناء بعد الزواج، كما يقول إن المنفعة تساهم في ذلك أيضا لدى بعض العائلات الميسورة لكي لا يخرج ميراثها إلى عائلات أخرى غريبة، وهو تفكير مادي يفقد الزواج كل قيمة عاطفية وروحية بين شخصين. ويضيف السياري قائلا لـ”العرب” إن الشيء الإيجابي في تونس أن الكثير من الشباب تخلصوا من عقدة العائلة وتمردوا على العديد من التقاليد الخاصة بالزواج الذي أصبح اختياريا بين الطرفين دون تدخلات كبرى من العائلات.
قصة رندة وأسامة حالتان تختزلان ظواهر أخرى مخفية تعاني من القرارات الاجتماعية القاسية، ورغم تغير الظروف وتطور المجتمعات بقيت بعض المدن الداخلية في تونس محافظة على هذه التقاليد التي تؤثر على واقع الأبناء سواء قبل الزواج باعتبارها تقيدهم بشكل كبير وحتى بعد الزواج لأنها في غالبها تكون زيجات فاشلة لكونها لا قرار فيها للشاب ولا للفتاة بل للعائلة التي تعتقد أن الزواج العائلي فيه مصلحة، في حين أنه من أشد أنواع القهر الاجتماعي، لكن الظاهرة عموما تشهد انحسارا كبيرا ولم تعد بذلك الشكل المقلق الذي كان سائدا قبل عقود.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى