“من المهم جدا ألا نستسلم للظروف التي نعانيها في اليمن؛ بل جعلتني أقوم بتنمية مهاراتي في الحياة”، هكذا تشرح المهندسة المعمارية اليمنية نورا عبدالعليم العبسي واقعها في ظل الحرب التي تعصف ببلادها منذ حوالي عامين، وأجبرتها على الانتقال من عملها الرئيسي المتوقف بسبب النزاع، إلى حرفة “نقش الحناء”.
تخرجت الشابة العبسي قبل سنوات من كلية الهندسة، قسم العمارة، في جامعة ذمار الحكومية (100 كم جنوبي صنعاء)، والتحقت بالعمل في شركة أهلية في مدينة الحديدة غربي البلاد، وعملت فيها قرابة ثلاثة أعوام، قبل أن يتوقف عمل الشركة كغيرها من الشركات اليمنية التي تأثرت كثيرا بسبب الحرب وقررت إغلاق أبوابها.
تقول الشابة العبسي التي لاقت مؤخرا شهرة كبيرة في اليمن لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن الحرب أثرت على جميع اليمنيين، وكان تأثيرها عليها أيضا من الناحيتين النفسية والمادية.
وعلى الرغم من هذه التأثيرات السلبية للحرب على حياة العبسي نفسيا وماديا، إلا أنها تقول “ظروف الحرب علمتني عدم الاستسلام للواقع البائس؛ بل جعلني النزاع في البلاد أقوم بتنمية هواياتي ومهاراتي وأستفيد منها وجعلت منها حرفة”. تضيف العبسي التي تنحدر من منطقة الأعبوس التابعة لمحافظة تعز وسط البلاد، وتعيش حاليا في العاصمة صنعاء “لجأت إلى حرفة نقش الحناء بعد أن أغلقت الأبواب أمامي، وعدم حصولي على عمل في مجال تخصصي، حتى وإن وجدت عملا، فدخله لن يفي بكامل احتياجاتي كوني مستقلة ماديا”.
وقد كان انتقال الشابة اليمنية نورا من الهندسة المعمارية إلى نقش الحناء بمساعدة بعض الأصدقاء، الذين كان لهم إسهام في إشهار عملها الجديد. على هذا الصعيد تقول “ساعدني بعض أصدقائي في إشهار عملي الجديد، وقمت بتحضير بطاقات ورقية تعريفية بعملي الخاص بنقش الحناء، كتبت عليها رقم هاتفي، وقد ساعدوني في توزيعها، قبل أن أشترك في بزارات تراثية”.
وتابعت “عرضت عملي ووزعت بطاقاتي التعريفية.. إحدى صديقاتي اقترحت علي عمل مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي ‘فيسبوك’ ونشطت في ذلك، وأشهرت نفسي”.
كما تقول العبسي إنه مر عام كامل على بدئها في عملها الجديد “نقش الحناء”، الذي كانت تعمل فيه بشكل غير واسع، وقت دراستها الجامعية، قبل أن تقرر إيقافه بعد التخرج من الجامعة.
وأردفت بالقول “مع الظروف الصعبة التي نعيشها في البلاد حاليا، عادت لي الفكرة من جديد رغم أنها متعبة جدا، وفي بلد مثل اليمن لا يكون الدخل الذي يحصل عليه المرء من حرفة يدوية موازيا لقدر الجهد والتعب اللذين يبذلهما”، مشيرة إلى أن ثمة معاناة في هذه الحرفة، غير أنه لم يكن هناك حل لوضعها غير هذا المجال، لا سيما أنها تحب الرسم وتقول “العمل في هذا المجال من الممكن أن يطورني كثيرا”.
وتعاني الفتاة في اليمن، العديد من الصعوبات في حياتها أكثر من الرجل، بسبب بعض العادات والتقاليد التي قد لا تفضل بعض أعمال المرأة. وتشير العبسي إلى أنها واجهت صعوبات كثيرة بسبب انتقالها لعمل “نقش الحناء” خصوصا كونها “فتاة تعيش في مجتمع يؤمن بالتقاليد والأعراف”.
وأضافت “أريد أن أكون مستقلة في المجتمع، وهذا ليس سهلا بالنسبة إلي.. إنها مسألة كرامة أن أستقل ماديا وتكون لي حياتي الخاصة.. هذا مهم جدا”.
وعلى الرغم من الظروف التي تعاني منها البلاد المؤثرة سلبا على نفسيات السكان، تكافح العبسي كثيرا في سبيل الخروج من الوضع البائس الذي تعيشه بلادها، عن طريق الغوص في واقعها الخاص، كالاستماع إلى الموسيقى، والرسم، والقراءة.
وحول أمنياتها تقول العبسي “أمنياتي المستقبلية للوطن أن يكون طبيعيا يتقبل الجميع بعضهم بعضا وكل فرد فيه يطور نفسه أولا، ويهتم بهواياته ومهاراته ليكون لدينا وطن.. الوطن بدوننا لا شيء، فقط مجرد قطعة أرض”. وعلى الصعيد الشخصي تضيف العبسي أنها تتمنى وتسعى إلى أن تطور مهاراتها وحياتها بشكل عام، لتصل إلى الاستقرار التام، وأن تساعد نفسها كي تكون قادرة حينها على أن تساعد غيرها. وإلى جانب حبها للغناء والرسم، تتمنى العبسي أن تتعلم العزف، فالفن بالنسبة إليها يبعد الناس عن أذية بعضهم البعض.