تختلف الآراء داخل المجتمع التونسي حول العلاقة بين الإخوة في الحاضر والماضي، ورغم وجود أسر متماسكة تحافظ على قداسة الروابط الدموية بين الإخوة بفضل حرص الوالدين على غرس قيم المحبة والتسامح بين الأبناء إلا أن هناك أسرا تعاني من تدهور العلاقة بين الإخوة لأسباب كثيرة من بينها تراجع القيم أمام طغيان الجوانب المادية.
وفي هذا السياق قالت الصحافية بمؤسسة الإذاعة التونسية، فوزية الغيلوفي، إن “علاقة الإخوة تشبه علاقة الإنسان بذاته، فإخوتي جزء مني ونحن ولدنا من رحم واحد وتربينا في بيت واحد تعلمنا فيه قيم الحب والتآزر. أنا لا أتصور حياتي دونهم رغم ابتعادي عنهم فعليا، فقد أبعدتنا مشاغل الحياة عن بعضنا لكن لا يمكن للمشكلات أن تفرقنا.
وحسب رأيي فإن هذه المشاعر القوية ترجع إلى ما تعلمناه من والدينا، ويبدو لي أن هذه التربية على حب الأخوة بدأت تتراجع في وقتنا الحاضر نظرا لانشغال الأولياء بتوفير مصاريف أبنائهم وتراجع قيم الترابط العائلي التقليدي وغياب الحوار بين أفراد الأسرة، ما يزرع الأنانية والتفرقة بين الإخوة”.
وأضافت الغيلوفي قائلة “أستغرب وصول النزاعات بين الإخوة إلى درجة التقاضي أمام المحاكم لأسباب مادية مثل الميراث أو غيره من المشكلات التي تخلق أحقادا ينتفي معها كل ترابط عاطفي بينهم”.
أما فاطمة، وهي سيدة تونسية تعيش في المهجر بعد زواجها الثاني، فتقول إن “الأخوة من أسمى العلاقات الإنسانية، لذلك فهي غير خاضعة لأحكام العصر رغم إمكانية تأثرها به، ويرجع ذلك إلى التنشئة الأولى داخل الأسرة حيث يتحمل الأبوان المسؤولية الأكبر في توطيد العلاقة بين أبنائهما. كما أن طريقة تعامل الأبوين مع إخوتهما يلاحظها الأبناء ويتأثرون بها”.
وتؤكد فاطمة أن الآباء الذين يعلمون أبناءهم احترام التقاليد الاجتماعية إلى درجة التقديس مخطئون في حق أبنائهم وهو ما استنتجته من تجربتي لأن بعض الأحكام الاجتماعية الظالمة قد تتحول إلى سبب في تصدع العلاقة بين الإخوة، فمثلا في حال طلاق الأخت تتغير طريقة تعامل إخوتها معها خاصة إذا كانوا ينتمون إلى وسط اجتماعي محافظ، فينظرون إليها كحالة شاذة اجتماعيا وليست كأخت. ويحاسبونها حتى على نظرة الناس إليها كامرأة مطلقة.
كما أشارت إلى أن “وضع الأخت الاجتماعي يؤثر بشكل مباشر في علاقتها بإخوتها الذين يصبحون أكثر قسوة معها إذا طلقت ورغبت في مواصلة حياتها بشكل طبيعي، فيحصل الخلاف والتصدع في العلاقة، وفي مثل هذه الحالات تظهر حقيقة ما زرعه الآباء في أبنائهم من محبة لإخوتهم”.
ولا يشاطر الباحث في علم الاجتماع، طارق بالحاج محمد، في حديثه الآراء التي تقول إن العلاقة بين الإخوة مازالت قوية في الأسر التونسية مقارنة بالماضي ويوضح قائلا “حين نريد أن نعبر مجازا عن متانة علاقة ما نقول إنها علاقة أخوة. يبدو أن هذا التعبير المجازي وهذه الصورة النمطية والرومانسية لعلاقة الإخوة قد تراجعا بالنظر إلى حجم المشكلات القائمة في المجتمع التونسي بين أبناء العائلة الواحدة والتي تتراوح بين المقاطعة والعنف بكل أشكاله، ويمكن أن تصل حتى إلى التقاضي أو الأذية. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة التغيرات التي فككت علاقات الأخوة بهذا الشكل الصادم؟”.
ويرجع الباحث الاجتماعي التردي الذي وصلت إليه العلاقة بين الإخوة إلى السياق الاستثنائي الذي يمر به المجتمع التونسي، مشيرا إلى أن تراجع قيم الأخوّة سببه وجود أخطاء في التنشئة الاجتماعية التي تتراوح بين أخطاء في التعامل وأخطاء في القيم التي نربى عليها. فالعائلة اليوم لم تعد ذلك المكان الآمن الذي يوفر عنصر التضامن والانتماء. فالأسرة تربي أبناءها على قيم التنافس والأنانية. كما أن معاملة الأبناء تتسم بقلة العدل والتمييز سواء على أساس الجنس أو الجمال أو السن. ومظاهر التمييز تعد عوامل تغذي الحقد بين الإخوة وتكبر معهم.
ويختم بالحاج بالقول إن “تطور مجتمعاتنا وتفكك الروابط التقليدية سجلا غياب الترابط الأخوي الوطيد كما كان الحال قديما، وغياب ما كان يطلق عليه ‘أهل العقد والحل’ والذين يتكونون من كبار السن في العائلة والحكماء. غاب هؤلاء ولم يقع تعويضهم بأشخاص أو آليات أو ثقافة جديدة مما جعل مجرد خلاف بسيط بين الإخوة يتحول من مجرد تجربة إنسانية واجتماعية فاشلة إلى معركة ضارية يراد بها تدمير الطرف الآخر وليس مجرد الانفصال عنه.
معركة تغيب فيها كل القواعد القانونية والأخلاقية والإنسانية وتحضر محلها مفردات الكره والتباغض والإيذاء وإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالآخر. فنحن لا نعرف كيف نخاصم ولا كيف نتعايش ولا حتى كيف نفترق بسلام”.