شغف الفضول جعلها تقوم من مكانها الذي توسدته أغلب حياتها بعد أن اعجزها المرض في شراكه لتنصت للحديث، لم تنفك ساعة من نهار أو ليل إلا وهي تتأوه من ألم يعتصرها ويودي بها الى انتفاض جسمها دون السيطرة عليه، بصعوبة، كان والس بحب يمسك بها خوفا من عض لسانها، فكثيرا ما كان لا يستطيع وضع تلك القطعة البلاستيكية كي تعض عليها بدل لسانها، فيدرج يده مكانها، لصعوبة عمل الامرين معا، تَعمَدُ هي لا شعوريا على عضها بكل ما أوتيت من قوة حتى تذهب الأزمة، بعدها يقوم على الاعتناء بها كما اعتاد، لقد وصف الاطباء حالتها بأنها غريبة، فهي ليست تحت بند الصرع ليمكن وئده بطرق علاجية متعارف عليها، وليست هي حالة من الرعاش التي تصيب الإنسان المريض بشكل تجعله يفقد توازنه الجسدي والعقلي حتى لا يمكنه تمييز ردة فعله او السيطرة عليهم بأدوية قد تأتي بنتيجة ولو وقتية... إنها حالة هو مرض نادر يتسبب بموت الخلايا العصبية، يؤدي الى ضمور العضلات الشوكية مع اضطراب المناعة الذاتية تقود الى انتكاسات متراكمة تشد الواحدة الاخرى، حتى جعلت منها إمراة غير معلوم ما الذي يدفعها وتحت أي ظرف أو ضغط لتصاب بهذه الحالة الغريبة..
خرج والس بعد ان أطمئن أن الأزمة قد ذهبت وهي مالت بجسمها المهدود الى الركود على السرير، أغلق الباب بهدوء بعد ان كان يتحدث مع صديقة لهم تدعى مونا قبل حدوث الأزمة لروز..
لف الضمادة على ساعده تلك التي باتت لا تفارقه هي الأخرى، جلس على الاريكة قبالة مونا مع كلبها ميكافيلي ذلك الذي ما ان عاد والس مكانه حتى قفز الى حضنه يتودد إليه لاعقا يده... فقال له:
والس: هون عليك ميكافلي أراك لا تنفك تحب الحركة بشكل مفاجأة أنت الآخر.. غريب في تصرفاتك الغير محسوبة والغير متوقعة.. كما هو اسمك، ام ترى ان الغاية تبرر الوسيلة
التفت الى مونا..
والس: على فكرة عدة مرات اردت ان اسألك عن اختيار اسمه ميكافلي لكلبك، أراه صعب ولا يليق بكلب لو اختصرته الى ميك لكان افض واسهل، أليس كذلك يا ميك مُلتَفِةُ الى الكلب..
نبح بدوره كأن الإسم راق له... مرر يده والس على رقبة ميك وأذناه، قام يفركهما حتى تمدد ميك وسكن عن الحركة بعد ان شاكس في المكان لوهلة..
ضحكت مونا على تصرف والس من ميك وردة فعل ميك اتجاهه، فقالت بعد ان اقتربت منه وجلست على نفس الأريكة
مونا: يبدو ان ميكافيلي قد تعود عليك وهاهو قد ممد ساقية في الوسيط وغاب الى خلده هههههههه لاشك ان لمستك بها نوع من السحر وإلا كثيرة هي المرات التي تساءلت كيف لرجل جميل الطلعة وجانتلمان بمعنى الكلمة ترك كل العالم الخارجي بما فيه من مغريات وركن الى إمراة أحبها لاشك منذ فترة قصيرة جدا ناسيا المرأة التي عرفتها إليه ..
والس: أوه مونا ها أنت عدتِ الى نفس الحديث الذي حذرتك أكثر من مرة عن ذكره، إن علاقتي بروز لم يحكمها وقت او زمن او مقدما.. لا أنكر جميلك كما هي العزيزة روز لقد كنت السبب الرئيس في جلب السعادة والاستقرار الى قلبينا وهذا رصيد لك في نفوسنا لا يمكننا نسيانه وننتهز الفرصة المواتية لرده إليك..
مونا: عزيزي والس لا تظن أني أمن عليك او عليها، إنكما صديقاي المقربان اللذان أحبهما كثيرا، لكنك تدفن شبابك دون جدوى، هاهي في الداخل بين الحياة والموت وانت لم تبخل عليها بوسيلة او طريق لكي توجد لها مساحة في الحياة إلا وفعلتها، لقد كسدت حياتك كما هو عنوانك الوظيفي وبت تستدين حتى تفي مصاريف العلاج والطعام غير مديونيتك للإيجار وغيرها من المستلزمات..
والس: اشششششششششششش ، أخفضي صوتك ارجوك مونا، قد تسمعنا روز، فهي لا تعرف الكثير عن ما حدث لنا أو لي بالذات، فهي لا زالت تظن اني أمارس عملي بشكل طبيعي، وتنطلي في كل مرة عليها حيلتي بالاجابة لقد جئت توا، او لقد كنت في العمل، معتذرا عن التأخير بشكل ابله لها اثناء خروجي للبحث عمن يمكنني ان استدين منه لشراء الأدوية، نعم انهكتني معاناتها ومرضها، لكني لا زلت احبها بل أراني دونها ميت لا قيمة للحياة بعدها، فكفاك مونا تذكيري في كل وقت تأتين لتطمئني على صديقتك المفضلة عندك وعلي، حاولي ولو مرة ان تشاهديها او تستمعي لها في لحظة قدرتها على الحديث او الكلام.. لا تتوانى بسؤالها عنك وعن احوالك قائلة بجهد جهيد، هل جاءت تسأل مونا عني وانا في حالتي هاته، ام تراها قد بعدت كما فعل الأمل وممن نعرف من الاصدقاء..
وقوف روز جعلها تُنهك فمالت على الباب لتتكأ عليه فاهتز قليلا، في اثناء حديث والس مع مونا ..لم ينتبها الى ذلك لكن ميك نهض ونبح باتجاه الباب لأكثر من مرة..
امسك به والس وهو يقول له اصمت ميك .. اصمت حتى لا توقظ روز، فأنا بالكاد سيطرت على أزمتها التي صارت تتكرر لأكثر من مرة في اليوم، بل اجدها لا تبتعد عنها سوى ساعات قليلة تلك التي التقط بها أنفاسي او استطيع قضاء حاجتي، ناهيك عن الاهتمام بها وبكل أمورها..
روز تهمس الى نفسها.. مسكين أنت حبيبي والس، اشركتك في معاناتي ومرضي دون ان يكون لك يد بها او سبب، لا ادري!! لعل حظي التعس الذي رافقني منذ صغري لم يترك لي مساحة من سعادة، ذلك ما اخبرتك به في مرة حين عرضت علي الارتباط، قلت لك وقتها.. لا تدفع بالسعادة نحو ضلفتي باب حياتي بقوة، ربما لا يكون بمقدورهما تحمل نفحات الحب التي رميتها الى عالمي الموصد طويلا، وقد يكسرانه، فعندها لا يمكنك ان تصلح ما تفسده يد القدر..
لكنك كنت متفائلا كثيرا، فركبت معك زلاجة سانتا كلوز التي خرجت بها توزع هدايا الأمنيات، حتى نفذت دون ان تتذكر ان تهديني ما تمنيت، كم تمنيت ان أن احصل على تميمة الحظ التي نالتها مونا، اتذكرها جيدا، تلك التي اخرجتها فجأة وقلت من يلحق بي ستكون تميمة الحظ من نصيبه، لا تعلم حينها أني على ابواب وهن وبدني ضعيف جدا، فكانت مونا اقرب الى اللحاق بك مني فنالتها ونالت الحظ الموائم معها الى الابد، حسدتها طويلا على سعادتها، لكنك كنت تميمة حظي وسعادتي غير ان المرض قد غرر بالسعادة حتى حولها الى تعاسة مؤلمة لك ولي.. هل انا أنانية الى هذه الدرجة!!؟ لم اسمعك تتذمر او تشكي في مرة، فما ان تدخل الي أراك قد حملت الامل بين اصابعك وانفاسك التي افتقدها حين تطبع القبلة على شفاهي، التي لا تدوم طويلا فبالكاد اشعر بطعمها فيدفعني ضيق التنفس الى الكحة التي تدوم ساعات من تشنج وضلوع في لعن كل من عرفت، راجية الخلاص من عالمي المريض، أراك تمسك بي تسقيني بما يخفف علي أزمتي، عذاباتي، لا تهدأ او تركن الى السكينة حتى اغمض عيناي واسلم نفسي الى ما ارغب فيه.. النوم الطويل العميق، لكنك كنت المرساة التي امسك بها من الغرق في عالم مظلم لا يمكنك ان تخطيه معي، بل لا اريد لك ان تراه معي، فأنا أحبك كثيرا والس وأعتذر عن ما لقيته بسببي.. حبيبي والس كيف يمكن أن اعوضك عما جنيته بسببي من انتكاسات جعلتك تنسى عالمك؟ طموحاتك، مستقبلك ، الشكل الاجتماعي الذي كنت تعيش، تركت كل ذلك من اجلي، وانا بأنانيتي المفرطة رغبت بذلك ناسية رد الجميل إليك، اغفر لي فما كان الأمر بيدي، بل لقلبي الذي فقد السعادة والفرح حتى ادخلتمها أنت إليه، انتهزتها فرصة فطلبت ان تكون سجين قلبي الى الابد، وبنياط القلب حكت شباكِ عليك، اما الآن وما سمعت ورأيت عن تضحيتك، سأترك العالم من اجلك، لتعيش حياتك دون روز، فروز قد آلمتك كثيرا بأشواكها القاسية، صدقني يا حبيبي والس إنها الرغبة في الحياة معك وسقيك برعم تيبس في قلبيّ الحزين هو من حاول ان يدعوني لأن احاول البقاء الى قربك، لكن وبعد ان عرفت الحقيقة سأقطع نياط قلبي لتخرج الى عالم آخر، عالم قد تجد السعادة فيه مع إمرأة تحبك بالقدر الذي احبك فيه..
حديثها مع نفسها والالم الذي شكل لها سماع مونا و والس دفعها لأن تسقط على الارض محدثة الجلبة، قفز والس وقبله الكلب ميك نابحا، دفع الباب بمهل ليجد روز خلف الباب، صرخ في مونا لاشك انها سمعت الحديث الذي دار بيني وبينك، وضعها على الفراش غير أنها كانت ضعيفة الانفاس فبالكاد يصعد صدرها او ينزل، امسك بيها والس وهو يقول: روز حبيبتي... لا تتركيني في عالم لا اعلم كيف تكون الحياة فيه دونك، اقسم سأصلح كل شيء، سأعمل على علاجك وخلاصك من علتك وآلامك، فقط لا ترحلي بعيدا ارجوك روز..
مونا بعدما شاهدت روز صعقت!!! اين هي روز التي كانت زهرة تنثر الندى بعبق نضارتها؟ لقد ذبلت واسقطت وريقات كانت تحيط بجمالها، هاهي مجرد غصن قد تيبي مرضا، يا إلهي!! روز حبيبتي لم اكن اعنيك بحديثي بل كنت اعني ...يا إلهي ما الذي اقول!؟ ارجوك اغفري لي انانيتي وقبح نفسي، ساكون معك و والس كما كنا سابقا، اعدك سأحاول معه بأن تعودي نضرة مشرقة ..هيا روز اجيبيني..
بالكاد فتحت عيناها روز، بضعف شديد وصوت خافت... سامحني يا حبيبي والس ساتركك وأرحل، لكن هذه المرة بأختياري ، فلا يمكنني الاستماع الى توسلك وطلبك مني البقاء، سأرحل وانا ممتنة لك عن كل لحظة اشعرتني بالحياة وانا شبه ميتة، اما انت مونا فاتمنى لك السعادة في الحياة مع من تحبين كما اخبرتني في مرة، في وقت كنت لا استطيع ان اترك بقعة الضوء التي دخلت إلي وشغفت بها وعشقت، فأغلقت عليها ضلفتي بابِ الذي وقفت خلفه طويلا بانتظار فارس احلامي.
صرخ والس بعد ان رآها اسلمت الروح .. روز .. افيقي روز لا ترحلي اتوسل إليك
غير ان روز قد رحلت تاركة ضلفتي بابها مفتوحتين الى الابد لتدخل السعادة الى حياة والس.