قد يكون الزواج في مجتمعاتنا العربية نتاجاً لأي سبب من الأسباب، كالخوف من فوات "القطار" بالنسبة للفتيات، والرغبة في تحصين النفس، أو نظراً للوصول لـ"السن المناسبة للزواج" بالنسبة للشباب. لكنه نادراً ما يأتي عن اقتناع من طرف شخصين مكتفييْن ببعضهما بغضّ النظر عن كل تلك الحسابات المعقّدة.
يتزوّج الناس في مجتمعاتنا العربية لأسباب أقل ما يمكن القول عنها إنها وهميّة إلى أبعد الحدود ، ليدفعوا بذلك ثمن تفكيرهم المقوقع ورؤيتهم المحدودة معاناة تتمظهر على المجتمع كافة، بجميع مناحيه، حيث إن هؤلاء الأشخاص الذين تزوجوا لتلك الأسباب الوهمية، غالباً ما يجدون أنفسهم بعد أشهر قليلة في دوامة لا أول لها أو آخر، ليجد كل منهما نفسه مضطراً إلى تحمّل الآخر. فيُحكم عليهما بالاستمرار في زيجةٍ، أقل ما يمكن القول عنها إنها مليئة بكل مظاهر النّكد، وذلك إما تفاديا لنظرات المجتمع الجارحة، وإما خوفاً على مستقبل أطفال لا ذنب لهم في سوء اختيار والديهم.
تتعدد الأسباب المؤدية لاستمرار هؤلاء "الأزواج" في زيجاتهم، إلا أنها تصب في منحى واحد: رفض حل الطلاق.
إذ يبقى "الطلاق" كلمة صعبة الاستيعاب من طرف مجتمعات لا تزال ترى في هذا الطلاق عيباً، وفي المطلَّق أو المطلَّقة على وجه الخصوص عالة، لكنها تعتبر الاستمرار في زواج لا يرقى لمستوى الزواج تضحية تستحقّ أن تُرفع لها القبعة.
لا أعلم من أين أتت فكرة الاستمرار مع شخصٍ، كل ما يربطنا به أطفال كانوا نتيجة لحظات حميمية، وعدة توقيعات على أوراق صارت مصفرّة بالية كتلك العلاقة التي تربط أصحابها!
لا أعلم أيضاً من استطاع أن يقنع زوجين لا تجمعهما أيّة نقاط مشتركة بأن استمرارهما معاً هو تضحية يتوجّب القيام بها من أجل راحة أطفالهما.
كل ما أوقنه كما أوقن اسمي، هو أن هذا النوع من الزيجات هو أكثر ما يسبب لهؤلاء الأطفال حالة من الصراعات الداخلية، والمشاكل النفسية؛ بل وحتى الجسدية في بعض الأحيان. فلا يوجد ما هو أصعب على الطفل من العيش داخل أسرة غير مبنية على أسس من الحب والعطاء.
لِمَ لا نرقى إذاً لمستوى يجعل من استُصعبت حياتهما مع بعض أن يتقبلا فكرة أننا لم نولد لنقدّم كل تلك التضحيات التي تزيد الطين بلّة، فالخطأ وارد حتى في مسألة الزواج، ثم إن هذا الزواج ليس من المفروض أن يصبح علاقة أبدية لا رجعة فيها، حتى إن كان سيذهب ضحية هذا أشخاص لا ذنب لهم؟
لِمَ لا نتخلى عن أنانيتنا مقابل أن نكمل ما تبقى من العمر سعداء حتى وإن كان هذا سيكلفنا فقدان شخص ربما أحببناه، أو اعتدنا وجوده في حياتنا، لكننا أصبحنا موقنين بأن الحياة معه صارت مستحيلة، وأننا لم نُخلق لنكمل حياتنا معاَ؟
لِمَ لا نتجاوز فكرة أن المطلّق أو المطلّقة هم أشخاص مذنبون؟ لم لا نكفّ عن تلك النظرة الدونية، المؤلمة في باطنها، للمطلّقة خصوصاً؟
الطلاق لم يكن يوماً نهاية العالم أو حتى نهاية العلاقة؛ بل هو وبكل بساطةٍ حلٌّ وُجد لفكّ أَسْر شخصين تزوجا، فأدركا بعد حين أنهما لا يصلحان زوجين، فأبيا أن يكملا في طريق لم يُخلق ليسيرا فيه جنباً إلى جنب.