"عقيلة" امرأة جزائرية في العقد الثالث من العمر متزوجة وأم لطفلة واحدة، تقيم بمحافظة بجاية التي تبعد عن العاصمة الجزائر بنحو 220 كلم، تعيش ظروفا قاسية بسبب بطالة زوجها، الأمر الذي دفع بها لمطالبة أهلها بجزء من الإرث الذي تركه والدها، لكن طلبها هذا كان سببا كافيا في تدمير الأسرة وتفرقها.
وحسب رواية عقيلة للجزيرة نت فإن مطالبتها بإرثها كان بسبب الحاجة، وليس بهدف مزاحمة إخوتها الأربعة في ميراث أبيها، رغم أن الشرع كفل لها حقها في ذلك.
وتقول عقيلة إنها قررت في وقت سابق التراجع عن طلبها، لكن إقدام شقيقها الأكبر على ضربها في اليوم الذي توفي فيه والدها قبل ثلاث سنوات، وتبرم هذا الأخ من أخواتها الأخريات، رغم عدم مطالبتهن بأي شيء كان سببا كافيا في رفع دعوى قضائية، بعد استنفادها لكل الطرق الودية للحصول على الإرث.
وبعد جلسات ماراثونية في المحاكم حصلت أخيرا على قطعة أرض بجانب بيت أهلها، لكنها خسرت بالنهاية عائلتها، لأن أعراف وتقاليد المنطقة تعد مطالبة البنت بحقها في الميراث "عيبا" وذريعة لاعتبارها شخصا غير مرغوب فيه بالعائلة.
وعقيلة ليست سوى نموذجا لآلاف الجزائريات اللائي يحرمن من حقهن الشرعي في الإرث، بسبب التقاليد والأعراف التي تحكم بعض المجتمعات المحافظة، مثل منطقة القبائل ومناطق أخرى من الصحراء الجزائرية، بحجة أن ما ستتحصل عليه المرأة ستمنحه لزوجها الغريب بعد ذلك.
قانون الأسرة
وبسبب ذلك تأتي النزاعات حول الميراث في صدارة القضايا التي تعالجها المحاكم الجزائرية. وتشير بعض الدراسات إلى أن 70% من القضايا التي تعالجها المحاكم الجزائرية تتعلق بالميراث، وأن هذا النوع من القضايا هو السبب المباشر والأول في تفجر وانشقاق العديد من العائلات الجزائرية. وتعد قضايا الميراث أيضا السبب في تبرم الكثير من العائلات الجزائرية من بناتها، بسبب مطالبتهن بحقهن المنصوص عليه قانونا وشرعا.
يأتي هذا رغم أن قانون الأسرة الجزائري منح للمرأة حقها في الميراث، إذ حددت المادة 135 من قانون الأسرة الفرد الممنوع من الإرث في قاتل الموروث عمدا أو عدوانا سواء كان القاتل فاعلا أصليا أو شريكا، وشاهد الزور الذي أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام وتنفيذه، والعالم بالقتل أو تدبيره إذا لم يخبر السلطة المعنية، كما تنص المادة 136 من نفس القانون على أن الممنوع من الإرث للأسباب السابق ذكرها لا يحجب غيره، وتعد قسمة العقار بين الورثة من أهم القضايا التي تفجر الصراعات العائلية بالنظر إلى تعقيدها.
في السياق أكدت رئيسة اتحاد النساء الجزائريات نورية حفصي للجزيرة نت أن المرأة الجزائرية تعاني فعلا في الكثير من المناطق التي تعد محافظة من حرمانها من حقها في الإرث.
وأشارت إلى أن المنظمة في هذا الإطار مع تطبيق نصوص الشريعة الاسلامية التي تضمن للمرأة حقها في الميراث، وأن المنظومة القانونية تكفل بدورها هذا الحق للمرأة الجزائرية.
لكن برأيها تحول الأمية في بعض المناطق دون معرفة النساء لحقوقهن بشكل عام وليس المتعلقة فقط بالميراث. واعتبرت حفصي أن المجتمع المدني لم يقم بدوره الحقيقي في توعية النساء بحقوقهن المشروعة من خلال المرافقة الميدانية. وفي هذا الإطار أبدت حفصي استعداد منظمتها لتقديم المساعدة القانونية للنساء اللائي يواجهن هذا المشكل.
حياء وخوف
وتتساءل المحامية والناشطة الحقوقية، فاطمة الزهراء بن براهم، في حالة طلاق المرأة إلى أين تتجه؟ هل يكون ملاذها الشارع؟ وتجيب عن ذلك بقولها إن ملاذها الوحيد هو عائلتها، وقانون الأسرة ينص على ذلك.
وتتابع قائلة "ليعلم الأخ أن شرفه من شرف أخته، لأن الكثير من النساء اللائي وجدن أنفسهن دون مأوى اضطررن لامتهان أنشطة غير مشروعة أهمها الدعارة.
ولفتت فاطمة الزهراء إلى أن التشريع الإسلامي منح المرأة في هذا الجانب ما لم تمنحه لها أي ديانة أخرى، والهدف من ذلك هو الحفاظ على المرأة وكرامتها. وأضافت أن أولياء الأمور يتحملون جزءا من المسؤولية، والأفضل لهؤلاء -برأيها- أن يقوموا باقتسام التركة بين أبنائهم قبل وفاتهم تفاديا لوقوع أي ظلم.
من ناحية أخرى، أكد رئيس الهيئة الاستشارية لترقية وتطوير حقوق الإنسان (هيئة تابعة للرئاسة)، المحامي فاروق قسنطيني، في حديثه للجزيرة نت أن المنظومة القانونية تضمن الحماية الكاملة للمرأة في حقها من الميراث المحدد قانونا ووفقا للشريعة الإسلامية.
ونبَّه قسنطيني إلى أن إشكالية تطبيق النصوص القانونية تكمن في بعض الأحيان في أن النساء لا يجرؤن على طلب حقهن في الإرث إما استحياء أو خوفا من عائلاتهن، والقانون برأيه لا يضمن للمرأة حقها إلا بعد أن تقدم على تحريك دعوى قضائية.