المنطقى أن يشعر المرء بمن يمر بنفس ظروفه، ولكن الملاحظ مؤخرًا أن تلك القاعدة الإنسانية المنطقية لا تجد مكانًا فى عالم النساء الغريب.. جدًا!
(1)
كالأسود الجائعة، قامت عضوات أحد الجروبات النسائية بافتراس إحدى العضوات لمجرد أنها سألت عن نصائح تساعدها فى اختيار حضانة مناسبة لطفلها الذى لم يتعد عمره ثلاثة أشهر، لم تشرح السيدة شيئًا عن ظروفها الشخصية، فقط سألت عن نصيحة، فجاءتها الردود النارية عبر مئات التعليقات التى توجه لها اللوم، وتتهمها بالتقصير والقسوة، حتى إن بعض السيدات لم تتورعن عن إخبارها بأنها لا تستحق طفلها، وأن الطفل سيموت بالتأكيد نظرًا لصغر سنه، وكأنه أول طفل فى العالم يذهب إلى الحضانة فى ذلك العمر!
لم تؤثر الأصوات القليلة التى نادت بالرفق بالسيدة المسكينة التى لا يعلم أحد الظروف التى اضطرتها لترك رضيعها بضع ساعات، فكانت الردود المهاجمة جاهزة بأنه: «طاما هى عارفة أن ظروفها صعبة.. بتخلف ليه»!
هل يعيش هؤلاء النسوة معنا فى المجتمع؟ ألا يمكنهن رؤية الظروف الاقتصادية التى يمر بها الجميع بلا استثناء، والتى لا تسمح برفاهية الإجازات الطويلة بلا راتب؟ لم تسمع إحداهن من قبل عن نسبة المرأة المعيلة فى المجتمع المصرى، سواء كانت أرملة أو مطلقة أو حتى متزوجة من رجل لا يستطيع توفير الحد الأدنى من نفقات الأسرة؟ فى الواقع الجميع يرى ويعرف، ولكن لا أحد يرحم.
(2)
لم أتخيل أبدًا أن تواجه امرأة مرت بعملية إجهاض تعليقات تفوح منها رائحة الشماتة، لمجرد أنها صرحت من قبل أنها لا تريد ذلك الطفل!
المحيطون بتلك الصديقة يعرفون أنها قد اكتفت بطفل واحد لأسباب تخصها وحدها، ولكن الكثيرات لم يعجبهن ذلك الأمر، فكانت فرحتهن بذلك الحمل غير المرغوب شماتة غير مبررة، فما يضيرك أنت من أن تحمل إحداهن أو لا؟! واستمرت الشماتة بعد فقدان ذلك الطفل، وبلا خجل أو مراعاة لمشاعرها بعد تلك التجربة، تطوعت بعض السيدات الفضليات بإخبارها أن فقدان الطفل ما هو إلا عقاب من الله، وأنهن سعيدات بإحساس الذنب الذى ستعيش به!
(3)
فى سياق آخر، توجه السيدات المتحررات تلك القسوة لمن تختلفن عنهن من النساء، فالمرأة التى تتحمل زواجًا غير سعيد، أو تلك التى تترك عملها مجبرة بسبب رفض الزوج، يجب أن تجلد بسياط لا ترحم من اللوم والتقريع على خنوعها لتلك الظروف.
قد لا تستطيع بعض السيدات المتحررات القويات رؤية الوضع من منظور الأخرى، التى قد تكون مضطرة على الاستمرار فى الزواج لأسباب شخصية لا تستطيع شرحها، أو ربما تكون المقارنة بين العمل ومميزات ذلك الزوج جاءت فى صالحه.. نحن لن نستطيع أبدًا معرفة ما يدور فى كواليس العلاقات، وطريقة كل شخص فى التخطيط لحياته وحساب اختياراته، فلماذا نحكم على الغير بتلك القسوة؟
الحياة اختيارات، ولكل منا الحق فى اختيار ما يناسبه، ومن ثم يكون مسئولًا عن اختياراته، وتحمل تبعاتها، وكل المطلوب فقط هو الدعم النفسى.
فى خطبته الأخيرة، أوصى الرسول (ص) الرجال بالنساء، وربما لو اطلع على أحوال النساء الآن، لأوصاهن بالرفق ببعضهن.