رئيس وزراء بريطاني قال مرة إن هناك ثلاثة أنواع من الكذب: الكذبات البيضاء، والكذبات السوداء، والإحصاء. وعلى الرغم من أن هذه سخرية سوداء إلا أنها ليست بعيدة عن الطريقة التي تستخدم بها الأرقام. بدأت بالحديث في المقال الماضي عن الطرق التي يمكن أن تستخدم فيها الأرقام بشكل مخادع - سواء بقصد أو بغير قصد -، وسأواصل في هذا المقال الحديث عن ذات الموضوع.
الاستفتاءات مجال كبير لتضليل الجمهور خصوصا الالكترونية منها. في البداية، تهدف مثل هذه الاستفتاءات إلى استطلاع رأي الشعب السعودي عبر عينة ممثلة، حيث لا يستطيع أحد بحال أن يسأل كل أفراد الشعب السعودي حول ما إن كان - مثلا - موافقا لأن تقود المرأة السيارة. لكن مشكلة الاستفتاءات الالكترونية هي في العينة المنحازة دوما والتي لا تمثل المجتمع السعودي بكامله بالشكل المطلوب، ناهيك عن المقيمين في السعودية من غير السعوديين. والكثير من هذه الاستفتاءات - خصوصا حول المواضيع المثيرة - تتحول إلى حملات للتصويت بما يجعلها دون قيمة. أضف إلى ذلك احتمالية إعادة التصويت مرات عديدة - بتقنيات برمجية - هذا دون الكم الهائل من الحسابات المجهولة التي تشارك بهذه الاستفتاءات حيث لا يمكن بحال التأكد من مصداقيتها.
بعيدا عن الاستفتاءات، هناك الدراسات القائمة على الاستطلاع العام. مثلا عنوان خبر ما يقول «36% من حالات العنف الأسري تعود لضعف الوازع الديني»، وحين تقرأ في التفاصيل تفاجأ بأن هذا الرقم كان مبنيا على استفتاء، وأن 36% من العينة تعتقد أن ضعف الوازع الديني أهم أسباب العنف الأسري. السؤال الآن لو اعتقد 100% من العينة ذلك، هل رأي هؤلاء له أدنى علاقة بالعنف الأسري؟ أسباب العنف الأسري يمكن دراستها والإحاطة بها من خلال دراسة مفصلة لحالات واقعية وتتبع تاريخها وما إلى ذلك، أما الاستفتاءات في هذه الحالة - والتي كثيرا ما تصلح عناوين للأخبار - فقليلا ما تكون ذات فائدة.
ولكن بعض الأرقام المضللة تكون نتيجة لاستطلاعات إحصائية تقوم بها جهة موثوقة كوزارة الصحة. على الرغم من أنه من الصعب وصف مثل هذه الأرقام بالتضليل الإحصائي، لكن ما ينشر عن ظروف الاستطلاع مثل العينة والمكان والوقت غالبا ما يكون شحيحا. مثلا أشار أحد الأخبار الصحفية إلى أن نسبة السمنة بين السعوديات قد تصل إلى 59% فيما تقل النسبة بين السعوديين إلى 40%.
لا أدري حقا إن كان الرقم دقيقا، لكن معناه أن حوالي 6 من كل 10 سعوديات مصابات بالسمنة، مقابل 4 من كل عشرة سعوديين مصابون بالسمنة. لكن ماذا عن «موثوقية» هذا الرقم إحصائيا؟ هل شملت الدراسة جميع المدن والطبقات الاجتماعية لأن النسب - حسب الأرقام المنشورة لوزارة الصحة - تختلف بحسب المدن. ناهيك عن موضوع أسلوب جمع البيانات بطريقة تضمن وثوقية العينة المختارة.
نختم بتصريح وزاري، حيث قال معالي وزير الخدمة المدنية خالد العرج في برنامج الثامنة إن إنتاجية الموظف الحكومي لا تتجاوز ساعة واحدة يوميا حسب دراسة ما، مما أثار موجة كبيرة من ردود الفعل. لم يصرح الوزير - ولا الوزارة - بالمزيد عن هذه الدراسة. هل كانت الدراسة شاملة لجميع الجهات الحكومية بكل المدن؟ وبافتراض سلامة العينة يبقى السؤال حول كيف تم قياس إنتاجية الموظف!
لا توجد مساحة لتناول تصريح معالي وزير الطاقة خالد الفالح، حيث أشار في سياق الحديث عن رفع الدعم عن أسعار الطاقة إلى أن استهلاك الفرد السعودي للطاقة مرتفع مقارنة بالمعدلات العالمية. طيب بما أننا بدأنا نقارن استهلاك الفرد السعودي بالمعدلات العالمية، ماذا لو - من باب الموضوعية - بدأنا بمقارنة الأداء الحكومي بالمعدلات العالمية؟
أربعة أسئلة لا بد من الإجابة عنها قبل أن تصدق أي استطلاع للرأي:
1 من الذي أجرى الدراسة وأشرف عليها؟
الدراسة يجب أن تكون تحت إشراف جهة ذات كفاءات بحثية.
2 كم مجموع العينة المساهمة؟
كلما كانت العينة أكثر كان أفضل، خاصة الدراسات العامة.
3 كيف تم جمع البيانات؟
المقابلات الهاتفية أكثر وثوقية من الاستفتاءات الالكترونية.
4 كيف صيغت الأسئلة؟
هناك دوما انحيازات خفية في الصياغة تدفع المشاركين لخيار دون آخر.