سكن الطالبات عالم مليء بالتناقضات، فتيات في سن حرجة تركن أهلهن ليواجهن ما في هذا العالم من خبايا مجهولة، وقد يكون بيت المغتربات الصغير سببا في تكوين شخصية الفتاة من خلال اندماجها مع نماذج وشخصيات مختلفة، فالفتاة في هذه المرحلة من حياتها تحلم بالتحرر والحرية، وتريد أن تجرّب وتستكشف كل ما هو جديد، لذلك تكون أداة سهلة التشكيل والانجراف إلى التقليد الأعمى، في محاولة منها للخروج من شرنقة الأهل وتحدي نفسها لإبراز شخصيتها وتحول سلوكياتها.
وأفاد علماء اجتماع أن مشكلات المغتربات في المدينة الجامعية تتنوع ما بين مشكلات إلزامية وضوابط حضور وانصراف، ومشكلات شخصية بين الطالبات أنفسهن، إلى جانب المشكلات الدائمة مع العاملين هناك، حيث تكثر الشكوى من استخدام الأدوات الشخصية الخاصة بكل طالبة، وتداولها بين باقي المغتربات وصولا إلى عدم الحفاظ على خصوصيات كل مغتربة في الأكل والشرب والملابس، بالإضافة إلى المشكلات الصباحية التي تلازم المغتربة عند دخول دورات المياه نظرا للتوقيت الذي يجمعهن للذهاب إلى الجامعة.
وأكدوا أن سفر الفتاة الجامعية من بلد إلى بلد آخر والإقامة فيه دون رقابة من الأهل قد يعرضها إلى الخطر، ومن شأنه أن يقودها إلى طريق وعر، لأنها تكون أمام خيارين، فإما أن تظل في السكن داخل الحرم الجامعي، وإما أن تستأجر شقة تكون عبارة عن غرف جماعية للطالبات يتشاركن في مصاريفها، وهنا يكمن الخطر، لأن في هذه الحالة لا توجد رقابة على الفتيات، وتكون الفتاة حرة في تصرفاتها وتفعل كل ما يروق لها.
ونبهوا إلى أن التغيرات الاجتماعية والسلوكية التي تطرأ على الفتاة نتيجة الاحتكاك بأشخاص مختلفين وبعدها عن أهلها وعدم وجود رقيب لتصرفاتها وتحركاتها، تجعلها تهرب من ضوابط المدينة الجامعية لكي تحقق طموحها وتنجرف وراء التغيرات الاجتماعية والبيئية الجديدة التي تعيش فيها.
وقالت الدكتورة سارة سليم أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة القاهرة “إن استقلال الفتاة في المرحلة الجامعية يعتمد على التنشئة والتربية والخبرة التي تكتسبها الطالبة في المدرسة”.
وأضافت “إذا كانت هناك قدرة عند الفتاة في المدرسة على تنظيم أمور حياتها ودراستها فستستطيع في هذه المرحلة من حياتها أن تحقق ذاتها وتدبر أمورها ومسؤولياتها بمفردها”.
وأشارت سليم إلى أن تجربة السكن الجامعي تخلق إمكانية للاعتياد على الوحدة والانعزالية، وتعزيز الاتجاهات الفردية على حساب العلاقات الاجتماعية والعائلية.
كما أكدت أن اختلاط الفتاة القروية مع الفتيات الأخريات داخل المدينة الجامعية من شأنه أن يؤثر على شخصيتها بل ويكّون شخصية جديدة لها.
وأوضحت أن الفتاة عندما تترك بيت أهلها يكون لديها ميل أكبر للحرية والانجراف وراء كل ما هو جديد، وهو الأمر الذي قد يجعلها تقع في الكثير من السلوكيات الخاطئة بهدف التجربة، ولكي تجاري فتيات الحضر وتكون مثلهن.
وبينت سليم أن التنشئة الاجتماعية للفتاة من شأنها أن تلعب دورا كبيرا في تأقلمها مع زميلاتها في السكن، وعلى الفتاة أن تكون على وعي تام وأكثر حذرا في الاختلاط بمن يتصفن بسوء الخلق، وأن يكون الأهل على قدر كبير من الحرص والاهتمام ومتابعة أبنائهم عن بُعد.
وعن تأثير المدينة الجامعية والاغتراب على شخصية الفتاة، أوضح الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن طبيعة شخصية الفتاة قبل الاغتراب هي التي تحدد ما سيحدث من تغيرات بعد الاغتراب على سلوكياتها وأخلاقها، فللإنسان ثلاثة مستويات، عقلية وجسدية وروحية.
وقال موضحا “هناك الفتاة التي يكون إشباعها لغرائزها هو الأهم، ويغلب على احتياجاتها الطابع النرجسي ويكون توقع انحرافها والانجراف وراء أصحاب السوء أعلى، حيث تنفلت بمجرد أن يخف الضغط الاجتماعي عليها، وهناك العكس من ذلك فتيات لديهن مواهب وملكات إبداعية، ولكن البيئة التي تحيط بهن فقيرة فكريا واجتماعيا، وبالاغتراب يجدن بيئة واعدة مجردة من القيود والضوابط، بالإضافة إلى اختلاطهن مع نماذج سلوكية سيئة في المدن الجامعية، تعمل على تغذية عقولهن وتشبع وجدانهن فيغترفن منها للوصول إلى أهدافهن”.
وأضاف المهدي أن الأمر ما هو إلا استعدادات تختبرها الغربة، وأفضل هذه النماذج هي الفتاة صاحبة الشخصية المتوازنة التي لديها التزام داخلي بالقيم والأخلاق، ولا تتأثر بالمؤثرات الخارجية وضغوط الأسرة، فهي عندما تغترب لا تغتر بأجواء المدينة، بل يدفعها عدم إحساسها بالأمان الذي يكون موجودا لدى أي مغترب إلى الإنجاز، لأنها تدفع ثمنا باهظا بعيدا عن الحضن الأسري.
ولفت الدكتور أمجد خيري، استشاري العلوم السلوكية في مصر، إلى أن الفتيات في السكن الجامعي يحظين بخصوصية تتعلق بتركهن عائلاتهن والانتقال إلى العيش في منطقة بعيدة، وفيه قد يواجهن الإحساس بالغربة، وقلة الخبرة، والتنوع في الثقافات والاختلاف في عادات وتقاليد وطباع طالبات أخريات، مما يجعلهن يقعن في حيرة أفكار مغلوطة تتعلق بالحياة الجامعية، وما يصاحبها من دعوة إلى الحرية غير المنضبطة وغير المسؤولة، والتي تكون نتائجها وقوع الفتاة في ممارسات خاطئة خاصة في ظل الاندماج في صحبة سيئة.
وأكد أن الفتاة خلال المرحلة الجامعية تحتاج إلى بناء شخصية قوية لكي تستطيع الحفاظ على قيمها التي نشأت عليها، لذلك فوجود من يحاور الفتيات ويتعرف على أفكارهن وطموحاتهن والتغييرات التي تطرأ عليهن في هذه المرحلة يبقى أمرا مهما وحيويا، مشيرا إلى أن الفتاة في مرحلة الجامعة تكون كالطفل الذي يتحسس عالمه الجديد، كونها تكون في دائرة الفضول حول ما تراه وما تسمعه، وما يصدر من طالبات أخريات، الأمر الذي يجعلها أكثر قابلية للتأثر بسلوكيات وأخلاقيات محيطها بالجامعة وأصدقائها في تلك المرحلة.