بحلول شهر يناير من سنة 2014 يكون قد مر 10 سنوات كاملة على تطبيق مدونة الأسرة، و هي المدونة التي جاءت لمواكبة مطالب الاٍصلاح الأسري، و اعتبرت آنذاك من قبل الباحثين و المهتمين بالشأن الأسري عامة و بوضعية المرأة المغربية خاصة بأنها تعد ثورة قانونية و تشريعية على وضع ظالم للمرأة رغم الأدوار الطلائعية التي كانت تقوم بها و مازالت سواء داخل الأسرة أوالمجتمع ، كذا لحجم مساهمتها في الاٍنتاج و دعم دورته الاٍقتصادية.
و هي أيضا – مدونة الأسرة- نتاج للصراع الذي خاضته القوى الديموقراطية و التقدمية ببلادنا المناضلة من أجل تحرير المرأة و اٍعطائها مكانتها الحقيقية التي تستحقها، في مواجهة القوى المحافظة سواء الدينية منها او الرأسمالية اللتين تحالفتا معا باعتبارهما قوتين التقتا مصالحهما من خلال استفادتهما معا من وضعية المرأة ما قبل مرحلة صدور المدونة " سنة 2003"، و لكونها كانت ضحية للاستغلال الرأسمالي الذي كان يتضاعف ربحه مع تراجع حرية و حقوق المرأة لأنه بتحررها كان يتحرر المجتمع كله، و هو ما اعتبرته هذه القوى تهديدا مباشرا لمصالحها الاٍقتصادية، مما حدى بها للتحالف مع القوى المحافظة نظرا لتأثير هذه الأخيرة على المجتمع اعتبارا لاستخدامها لخطاب ديني رجعي لا علاقة له بحقيقة الدين و جوهر الاٍسلام الذي أول ما قام به عند نزول الوحي هو تحرير المرأة من العبودية، و الرق، و الاٍستغلال و حرم وأدها، و أعطاها حقها في الاٍرث......لذلك عند بداية الحديث عن ضرورة اٍصلاح النص القديم " مدونة الأحوال الشخصية" سواء في مشروع اٍدماج المرأة في التنمية أو أثناء النقاش الذي تصدر المجتمع المغربي كانت هذه القوى " الدينية،الرأسمالية" قد ضغطت بكل قواها من أجل تعطيل أي اٍصلاح حقيقي لوضعية الأسرة المغربية و للمرأة بشكل خاص نظرا لمكانتها المحورية داخل الأسرة المغربية.
هذه التوطئة كان و لابد من الاٍشارة اٍليها لفهم الطابع التوافقي و التوفيقي بين وجهتي النظر اللتين أديتا للأسف اٍلى انقسام حاد داخل المجتمع خاصة مع تعاظم استعمال الموروث الديني في الصراع الذي كان في عمقه بين طرف يريد الاٍستمرار في استغلال المرأة تحت عدة مسميات " دينية، ثقافية، تقليدية..."
وجهت الدعم المالي من طرف بعض القوى المالية التي كانت مستفيدة من وضعية المرأة التي جعلها في لحظات ما أداة طيعة للتحكم فيها و لاستغلالها في المصانع، المعامل دون أن تتمتع بأية حقوق لذلك رأت أن أي تحريرقانوني و تشريعي لها هو مقدمة للتحرير من الاٍستغلال داخل هذه الأوساط، و بين وجهة نظر حداثية، تقدمية كانت تنظر في المرأة كشريك في المجتمع/الأسرة باعتبارها مساهمة في عملية الاٍنتاج بكل أنواعه المادية منها، الملموسة و المعنوية و أن تحقيق أي نهضة شاملة للدولة و المجتمع لا يمكن لها أن تكون دون تمكين المرأة من كافة حقوقها القانونية، المدنية و السياسية، و اٍذا كان الدستور المغربي الأخير المعدل في فاتح يوليوز قد عمد اٍلى اٍبراز هذا الدور و أعطى للمرأة المغربية مكانتها الدستورية الطبيعية، فأنه على المستوى التشريعي/القانوني أصبح وضعها اليوم مقارنة بما طرحه الدستور يجعله متخلف عنه و غير مواكب لروح النص الدستوري المتقدم، لذل وجب التفكير بعد مرور 10 سنوات كاملة على تطبيق مدونة الأسرة من ضرورة مراجعتها لتلائم من جهة التطور المذكور آنفا،
وكذا للاٍشكالات التي ظلت تطرحها مدونة الأسرة على المستوى العملي، الميداني، لذلك وجب طرح سؤال مراجعتها في الميزان، كضرورة وطنية و قانونية حماية للمكتسبات، و تكريسا للرغبة السياسية للملك ، و لقوى المجتمع الحية المعبر عنها في كل القضايا ذات الاٍرتباط بالنهوض بالمرأة.
1-المنع النهائي لتزويج القاصرات:
عند صدور مدونة الأسرة في اٍطار روح التوافق التي سادت أثناء صدورها اعتمد النص صيغة توفيقية زاوجت بين تحديد سن الزواج بالنسبة للمراة و الرجل في 18 سنة، و بين اٍعطاء حالات لتزويج القاصرين دون السن 18 سنة ذلك باٍذن من القاضي، لكن مع تطبيق المدونة اكتشف أن ما يقع الآن هو اتجاه الأسر الراغبة في تزويج أبناءها " خاصة الفتاة" دون السن القانوني اٍلى تقديم طلب لقاضي الأسرة قصد الاٍذن لها بتزويج القاصر، لذلك فبدل الحد من ظاهرة تزويج القاصرين تم اللجوء لسلوك هذه المسطرة التي كانت حسب النص استثنائية، لكن مع تطبيق المدونة تحول الاٍستثناء اٍلى أصل، و أصبحت جل الأسر الراغبة في تزويج أبناءها القاصرين " مع التركيز على أن أغلب هؤلاء هم فتيات" يلجؤون لسلوك هذه المسطرة مع ما يؤدي ذلك من تكريس الوضع السابق، و الهدر المدرسي اعتبارا لكون مكان القاصرين/الأطفال هو المدرسة و ليس بيت الزوجية، لذلك بات اليوم التفكير جديا في المنع النهائي لتزويج القاصرين لمخالفته للدستور، و لاتفاقية حقوق الطفل.
2- التضييق الجدي لمنع التعدد:
مدونة الأسرة في نصها الحالي اذا كانت قد نصت على منع التعدد، و قرنتها باٍجراءات اعتبرت في وقتها ثورة قانونية، اٍلا أنه مع مرور العشر سنوات من تطبيق هذا النص، أصبح أمام التجربة العملية لها قد أظهرت مدى الاٍمكانيات الكبيرة التي يتيحها النص الحالي من أجل التحايل على التقنين الحالي و اٍيجاد مخارج " قانونية" يتم " ابتكارها" من أجل الحصول على الاٍذن بالتعدد، و اٍذا كان الواقع المغربي المجتمع لا يتقبل في لحظته الراهنة نظرا لمعطيات ثقافية/دينية المنع النهائي للتعدد فاٍنه يمكن الذهاب كمرحلة وسطى و آنية لضرورة التقييد الجدي للتعدد، من خلال:
- التدقيق في دعاوي ثبوت الزوجية التي يتم استغلالها لخلق أمر الواقع من أجل التعدد خاصة في حالة حمل الخليلة التي تتحول بموجب هذه الدعوى لزوجة ثانية.
- حصر حالات الموافقة على طلب التعدد، حيث أن النص الحالي يخضعها للسلطة التقديرية للقضاة، و هي "السلطة" التي قد يتم استغلالها سلبا خاصة عندما يكون القاضي محافظا، لذلك وجب تقييد الاٍذن لطلبات التعدد بحالات حصرية تكون ملزمة للقاضي و لطالب التعدد، بالاٍضافة اٍلى تشديد التأكد من الموافقة الطوعية للزوجة الأولى التي تكون في غالب الأحيان مجبرة على الموافقة خاصة عندما يخيرها الزوج بين الخضوع لرغبته أو الطلاق، مما يجعلها توافق على الطلب مخافة ضياعها هي و الأبناء اٍن كان لهم أبناء، و عليه اٍذا كان من اٍصلاح للنص الحالي فيجب التنصيص على ضرورة عقد جلسة بحث بشكل فردي مع الزوجة للتأكد من موافقتها الاٍرادية.
- تشديد العقوبات في بعض الحالات، وهي الحالات التي يتم استغلالها للتحايل على القانون بطرق ملتوية، منها المتعلق بتزوير الوثائق خاصة شهادة العزوبة، حيث يتم استعمالها في ملف طلب الزواج و كأن طالبه سيتزوج للمرة الأولى.
اٍنها بعض الحالات العملية، و هناك العشرات منها التي وجب الاٍنكباب عليها اليوم بالدرس و التقييم العملي، و الميداني لمدونة الأسرة حماية للنص القانوني و لهدف المشرع الذي كان يهدف اٍلى تحقيق مساواة حقيقية بين الزوجين، و هو الأمر الذي أصبح يحتم على الدولة خاصة الغرفة التشريعية اٍلى أخذ المبادرة لطرح تعديلات عملية لتجاوز بعض الاٍختلالات العملية.