قبل أن أنتقل إلى الجزء الثاني من قراءتي لنظام الحماية من الإيذاء لابد من التوقف عند إهمال المرأة .
جاء في تعريف الإهمال في مشروع نظام الحماية من الإيذاء الذي قدمته جمعية الملك خالد الخيرية لوزارة الشؤون الاجتماعية: هو تصرفات سلوكية غير طبيعية تقع على المرأة أو الطفل تتسم غالباً بالاستمرارية ويشمل ذلك الإهمال التربوي، الإهمال العاطفي، الإهمال البدني (الجسدي)، الإهمال الطبي.»
سأتوقف عند:
أولًا :الإهمال البدني( الجسدي): للأسف الشديد خطابنا الديني السائد فرض هذا الإهمال بتحريمه على المرأة ممارسة الرياضة البدنية، رغم عدم وجود نص قرآني, أو حديثي يُحرمان على المرأة ممارسة الرياضة البدنية بين بنات جنسها، ورغم أنّ عورة المرأة للمرأة من السرة إلى الركبة, مثل عورة الرجل للرجل, ولكن مع هذا أبيح للرجل ممارسة الرياضة وحُرّمت على المرأة، رغم أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُسابق السيدة عائشة رضي الله عنها في الجري, ورغم مقولة سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لم تُخصص الذكور, وإنّما عمّمها بقوله» علِّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل», وكلمة الأولاد تشمل الذكور والإناث, وبناءً على هذا التحريم اقتصر نشاط الرئاسة العامة لرعاية الشباب على الذكور من الشباب.
وقد ترتّب على هذا التحريم ارتفاع نسبة إصابة السعوديات بأمراض السكر وهشاشة العظام والسمنة.
فقد كشفت وزارة الصحة السعودية في إحصائية أن نسبة الإصابة بهشاشة العظام في صفوف النساء السعوديات وصلت إلى 67%,وللوقاية من الإصابة بهشاشة العظام، تتوجب ممارسة الرياضة بانتظام، واتباع نظام غذائي متوازن.
أمّا السمنة، فمن أهم أسباب الإصابة بها إهمال ممارسة الرياضة البدنية, فنسبة الإصابة بالسمنة لدى السعوديات بلغت 52%, بينما لدى الرجال بلغت20%, كما أثبتت دراسات أسترالية حديثة أنّ 90 %من النساء المصابات بالاكتئاب تعود أسباب اصابتهن لعدم ممارستهن الرياضة البدنية.
وبلغت نسبة الإصابة بالسكري في المملكة للفئة العمرية بين 20 و80 عامًا إلى 23.4% في نهاية نوفمبر 2012 طبقًا لإحصاءات الاتحاد العالمي للسكري، ليصل عدد المصابين إلى 3.4 مليون مصاب.
وأوضح استشاري الغدد الصماء والسكري بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني الدكتور صالح الجاسر أنّ مرض السكري يصاحبه في الغالب خلل في وظائف أخرى كارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكوليسترول، كما أنّه كلما زاد ارتفاع ضغط الدم وزاد معدل الكوليسترول زاد معدل التسرب في الشرايين التاجية وأدى إلى ضيقها وانسدادها.
وقد طالب الدكتور الجاسر بتفعيل دور مؤسسات المجتمع كلها، ومناقشة القضايا الاجتماعية والصحية، وسرعة إدراج الرياضة البدنية في المدارس لمواجهة خطر ارتفاع معدلات البدانة والإصابة بمرض السكري وتأثيره.[انظر: الاقتصادية بتاريخ 25 يوليه 2013م.]
واستجابت وزارة التربية والتعليم لإدراج الرياضة البدنية في مدارس البنات, لكن لا تزال الرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة التعليم العالي لم يدرجا ممارسة المرأة للرياضة في برامجهما.
فكيف سيكون العقاب على الإهمال البدني والجسدي, إن كان هذا الإهمال مبرراً شرعًا بتحريم ممارسة المرأة الرياضة البدنية الذي لا يزال معمولًا به في الجامعات وفي الرئاسة العامة لرعاية الشباب؟
ثانيًا : الإهمال الطبي» وهو ذو شقيْن:
الشق الأول: يتمثل في الأخطاء الطبية لعدم توفر الكفاءات الطبية والفنية في المستشفيات الحكومية والأهلية على مستوى مناطق المملكة ومدنها مع تكرار الأخطاء الطبية في مستشفيات أهلية , ومستشفيات حكومية كمستشفى الملك فهد العام بجازان وعدم وجود خطط جادة من قبل وزارة الصحة للحد من الأخطاء الطبية مع تساهل اللجان الطبية الشرعية في فرض عقوبات حاسمة وتعويضات مالية ضخمة على مرتكبي الأخطاء الطبية, إضافة إلى خفض قيمة الدية بمائة ألف ريال للرجل و خمسين ألف ريال للمرأة, وتنصيف دية المرأة قمة الامتهان لها رغم أنّ الآية القرآنية لم تنص على ذلك ولا الحديث النبوي, « ودية المرأة نصف دية الرجل» ، فهذه إضافة أضافها البيهقي (في القرن الرابع الهجري)، على حديث» وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل « فالفقهاء تركوا الآية( ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة إلى أهله) وتركوا» وفي النفس المؤمنة مائة من الإبل», وأخذوا بإضافة البيهقي وبنوا حكمهم عليها!
الشّق الثاني: لوجود أمامنا معضلة فقهية، وهي الحكم الفقهي الذي أصدره الأئمة الأربعة بعدم إلزام الزوج علاج زوجته المريضة، وشبّهوها بالدّار المستأجرة دون أن يستندوا على دليل من القرآن الكريم والسنّة الصحيحة لعدم وجوده فيهما، بل قال الرسول صلى الله عليه وسلم» خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» أخرجه الترمذي واعتبر بقاء الزوج مع زوجه المريضة لرعايتها, يُعادل أجر مشاركته بالقتال في بدر, فقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه بالتخّلف عن بدر لمرض زوجته, وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم:» إنّ لك أجر رجل ممن شهد بدرًا، وسهمه»[ صحيح البخاري]
ومع هذا نجد من علمائنا ومشايخنا من يفتون بأنّه لا يجب على الزوج ما زاد عن النفقة الواجبة، مثل: العلاج، وفواتير الهاتف، وقيمة المواصلات، ولو كان ذلك مِن أجل زيارة أهلها, والنفقة الواجبة تكون في المأكل والمشرَب والسُّكَنى والكسوة .ويُعتّمون على حديث سيدنا عثمان, وفي الوقت الذي لا يُوجبون على الزوج علاج زوجته, يُعطونه حق منعها عن العمل, فكيف إن كانت أسرتها فقيرة, وهي ممنوعة من العمل ستُنفق على علاج نفسها إن مرضت؟
وكيف سيُعاقب الذي يُهمل علاج زوجه, وهو بحكم الشرع غير مُلزم بذلك؟