العنف ضدّ النساء بكافة أشكاله ظاهرة عالمية، حيث تعاني النساء في كافة القطاعات من ممارسات العنف ضدهن، حتى في المجتمعات المتقدمة، الأمر الذي جعل الأمم المتحدة تهتم بهذه القضية على نحو خاص، لنشر ثقافة توعوية عالمية، في محاولة لتقليص النسبة المتضررة من النساء الواقع عليهن العنف.
وفي العالم أكثر من 80 دولة، تعاني من خسائر اقتصادية ضخمة بسبب العنف ضدّ النساء، وفي مصر، وحسب آخر دراسة بين الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والمجلس القومي للمرأة، تبيّن أن الخسارة تكون بسبب الأموال التي تنفق على الرعاية الطبية جراء العنف، أو تغيير السكن، أو وسائل المواصلات، أو الاستعانة بشخص للحماية.
كما تقدر الخسائر في الأجور والخدمات الإنتاجية بـ4.2 مليار جنيه، بينما بلغت نسبة ما تدفعه المرأة المعنّفة وأسرتها 1.49 مليار جنيه مصري سنويا، نتيجة للعنف الواقع عليهن من الأزواج.
والعنف الذي يمارس ضد النساء يندرج تحت مسميات كثيرة، منها العنف الجسدي، والجنسي، وزواج القاصرات، وختان الإناث (مصر)، والتحرش، وحرمان المرأة من المشاركة السياسية والمجتمعية والاقتصادية أيضا.
ومصر من الدول التي يقع فيها العنف ضد النساء بصورة كبيرة، وقد أكدت إحصائية للأمم المتحدة أن 90 بالمئة من النساء والفتيات المصريات يخضعن للعنف.
وكان المركز القومي للتعبئة والإحصاء، قد أصدر تقريرا، يرصد أرقاما لممارسة العنف بكافة أشكاله ضد النساء في مصر، وذلك بناء على دراسة أجريت على عينة شملت 20535 أسرة، و20 ألف سيدة، بين الريف والحضر.
الدراسة أوضحت، أن 32 بالمئة من اللاتي سبق لهن الزواج تعرضن للعنف النفسي، في حين أن 12 بالمئة يتعرضن للعنف الجنسي من الأزواج، و60 بالمئة من الإناث في الفترة العمرية بين 18 و19 عاما تعرضن للختان، و11 بالمئة أجبرن على الزواج دون الأخذ برأيهن، و40 بالمئة من الإناث في العينة العمرية ما بين 18 و64 عاما تزوجن قبل بلوغهن الـ18 عاما.
وكشفت الدراسة أيضا، عن أن 17 بالمئة من النساء تعرضن للعنف النفسي من العائلة، و2 بالمئة تعرضن لما أسمته الأمم المتحدة “العنف الجنسي من الإخوة أو الآباء”، و50 بالمئة من الآباء مارسوا العنف البدني على بناتهم، و1 بالمئة من الإناث يتعرضن للعنف على يد الأشقاء الذكور، و96 بالمئة من النساء يتعرضن للتحرش من الغرباء، و139 ألف امرأة يتعرضن سنويا إلى العنف الجسدي والنفسي أو الجنسي في أماكن العمل.
وأغنية “نور”، تغنّى بها فنان الراب المصري “زاب ثروت”، بمشاركة أمينة خليل، التي غنت لأول مرة وحققت الأغنية أعلى المشاهدات على موقع “يوتيوب”، حيث حصدت 5 ملايين مشاهدة خلال يوم واحد من بثها.
والأغنية جاءت في كلمات بسيطة، واستطاعت التعبير عن معاناة الفتاة، والعنصرية الواقعة عليها في العمل، عند التقدم إلى وظيفة مع شاب، حيث كانت الأفضلية لقبول الذكور. زاب ثروت هو الأوحد تقريبا بين جيله، الذي يعبر عن قضايا المرأة المصرية من خلال أغاني الراب الخاصة به، ومن قبل كانت له أغنية “مين السبب”، والتي تغنى بها لمناهضة التحرش الجنسي، الواقع على المرأة المصرية في الشوارع والمواصلات العامة.
وقالت مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة، عن الأصداء الإيجابية التي حققتها تلك الأغنية، أنها لم تكن تتوقع نجاحها بهذا الشكل، ولفتت إلى أن الأغنية قوية، وتعبر عن القوى الناعمة في مصر، التي تستطيع أن تعبر عن أصعب القضايا بالفن الهادف الحقيقي.
ووجهت مرسي كلمة لكل شاب قائلة “حافظ على كرامة الفتاة، وعلى قو تها، فقوتها من قوتك.. ثقي في قدراتك وإمكانياتك”. والعنف ضد النساء، ليس مقتصرا على مصر فقط، بل يمثل نسبة 70 بالمئة عالميا، وأجرت منظمة الصحة العالمية دراسة في عام 2013، بالاشتراك مع كلية لندن لشؤون الصحة والطب الاستوائي، ومجلس البحوث الطبية، كشفت فيها عن أن نسبة 30 بالمئة من النساء، تعرضن للعنف الجسدي والجنسي، على يد أزواجهن أو أقاربهن.
وأوضحت الدراسة، أنه حتى في البلدان مرتفعة الدخل، وصل معدل انتشار العنف الممارس ضد النساء إلى 23.2 بالمئة، و24.6 بالمئة في إقليم غرب المحيط الهادي، و37 بالمئة في إقليم شرق المتوسط، و37.7 بالمئة في جنوب آسيا، وتصل جرائم قتل النساء -وهو ما يندرج تحت العنف كذلك- إلى 38 بالمئة من مجموع من تعرضوا للقتل عالميا.
الأرقام مخيفة، ومُرعبة، خصوصا في الدول العربية، التي اعتاد فيها الرجال على ممارسة العنف ضد النساء، في ظل مجتمعات ذكورية، مازالت المرأة فيها تابعة للرجل، ولا تزال هناك ممارسات ضد الفتيات القاصرات، كالزواج في سن مبكرة، وختان الإناث، وكذلك ما تتعرض النساء له من إذلال الرجال، الذين يجعلون المرأة هي التي تنزل إلى سوق العمل بدلا منهم، إضافة إلى التحرش الجنسي؛ تلك القضية القديمة الجديدة.
وفي مصر، صدر مؤخرا تفعيل لقانون ختان الإناث نهائيا، من قبل وزارة الصحة، باعتباره جناية عقوبتها الحبس لمدة 7 سنوات، وهو ما اعتبرته الجهات المعنية والمنظمات النسوية “هدفا قويا”، تم تسديده في مرمى مناهضة العنف.
وهناك تجارب كثيرة لبعض الدول، حاولت معها سن قوانين تجرّم العنف ضد المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبملاحظة دقيقة، سنجد أن دولتين فقط هما المغرب والأردن، من أصل عشر دول، لديهما قوانين لمكافحة العنف الأسري.
وبلغت نسبة العنف الأسري في الأردن، 86 بالمئة، وفي المغرب، هناك إحصائيات رسمية تشير إلى أن 4 ملايين امرأة يتعرضن للعنف الجسدي منذ بلوغهن الـ18 عاما، وبلغت نسبة المرأة المعنّفة على يد زوجها نسبة 50 بالمئة، وصدر هناك قانون جديد ضد العنف، شمل التحرش الجنسي. وفي تونس بلغت نسبة النساء اللاتي يتعرضن للعنف 47 بالمئة، وقد تضمن الدستور التونسي الجديد مادة تنص على مسؤولية الدولة، عن أخذ التدابير اللازمة لحماية المرأة من العنف.
وفي لبنان تم إقرار قانون لحماية أفراد الأسرة من العنف، حيث أن تلك الظاهرة تؤدي إلى مقتل 12 امرأة سنويا، وقد لقي هذا القانون، معارضة كبيرة من قبل الكثير من الجهات المعنية من الدولة اللبنانية.