أمضت الفتاة السودانية تهاني سليمان عقودها الثلاثة وهي تعاني من أمراض عضوية ونفسية لم تكن سوى نتيجة مأساوية لعملية “ختان الإناث”، المُحاربة رسميا دون سند قانوني، لكنها مباحة شعبيا، وسط جدل فقهي متواصل بشأنها.
ومع تطور حركة المجتمع، وبفعل حملات التوعية الرسمية والشعبية، قلت نسبة الفتيات اللاتي يتعرضن لهذه العملية في السنوات الماضية، إذ يقدرها الجهاز المركزي بـ 31.5 بالمئة لمن هن في عمر الـ14 أو أقل، بعدما كانت 37 بالمئة في الفئة ذاتها. لكن حتى هذه النسبة نفسها مروعة، كما قالت ناهد جبرالله، مديرة مركز “سيما للتدريب وحماية المرأة والطفل”، إحدى أبرز منظمات المجتمع المدني الناشطة في محاربة ختان الإناث أو ما يعرف بـ”الخفاض” في السودان. وأضافت أن النسبة الإجمالية لـ”ختان الإناث” في السودان تبلغ 65.5 بالمئة.
جبرالله، استشهدت بقصة تهاني سلميان، وهو اسم مستعار للثلاثينية التي أتت مركز “سيما”، طلبا للمشورة، حيث تعرضت للختان عندما كانت في السابعة من العمر “ولا تزال تدفع ثمن ذلك”.
تعاني سليمان، وفقا لما تحكيه جبرالله، من “اختلالات نفسية وعضوية، مثل عدم انتظام الدورة الشهرية، ما جعلها عاجزة عن بناء مستقبلها الأسري، حيث فسخت خطبتها أكثر من مرة”.
مديرة مركز “سيما” قالت إن “القضاء على ختان الإناث يحتاج إلى جهود رسمية وشعبية جبارة، لكونه من الموروثات السودانية، التي تحظى بتأييد عدد كبير من رجال الدين”.
على الدوام، تذكي عملية ختان الإناث المتوارثة منذ قرون الانقسامات بين رجال الدين، حيث يعارضها بعضهم، بينما يؤيدها آخرون.
لكن خلال الأيام الماضية أخذت القضية بعدا آخر، عندما تسلم البرلمان السوداني من المجلس القومي لرعاية الطفولة (حكومي) مسودة تعديل دستوري، شملت “حماية الأطفال من ختان الإناث”.
ورغم أن جهات حكومية، منها مجلس رعاية الطفولة، دأبت على تبني حملات مناهضة لعملية “الخفاض”، إلا أنه لا يوجد قانون يجرمها صراحة. وكان مجلس رعاية الطفل أعلن في 2008 خطة تستهدف جعل “السودان خاليا من ختان الإناث” بحلول عام 2018.
وبينما يمنع المجلس الطبي، وهو الجهة الحكومية المنظمة للمهنة في السودان، الأطباء من إجراء عمليات ختان للإناث، فإن من يقوم بهذه المهمة غالبا “قابلات”.
وفق أميرة الشيخ، أمينة “أمانة الحماية الاجتماعية” في مجلس رعاية الطفولة، فإن “القضاء على ختان الإناث يسير بصورة بطيئة لارتباطه بمفهوم الدين”.
وسبق أن أعد الشيخ عبدالجليل النذير الكاروري، عضو مجمع الفقه الإسلامي (الجهة المعنية بالفتوى في السودان)، ورقة عمل بعنوان “كتاب السنة ختن البنين وعفو البنات” أثارت جدلا واسعا، حيث خلص إلى أن السنة تدعو إلى ختن البنين وعفو البنات، وهي نتيجة، على حد قوله، تم التوصل إليها بعد دراسة بشأن الختان، استنادا إلى أصول الدين وعلوم الطب وشؤون الاجتماع.
على عكس ما ذهب إليه الكاروري، يجادل رجال الدين المؤيديون لهذه العملية بأن “الختان له أصل في الشرع وثابت في الكتاب والسنة”، معتبرين أن المخالف للشرع فقط هو “الخفاض الفرعوني”؛ حيث ينطوي على مبالغة في إزالة أجزاء من العضو التناسلي للأنثى.
فيما تشكو مديرة مركز “سيما” مما تعتبره “حملات تقودها جماعات متطرفة تدعو إلى ختان الإناث مع غياب الالتزام السياسي للدولة”.
على الأرجح، سيشتد الانقسام الديني عند بدء مناقشة النواب لمسودة التعديل الدستوري، التي قدمها مجلس رعاية الطفولة، مثلما حدث في 2009، عندما رفض مجلس الوزراء المصادقة على قانون يجرم ختان الإناث.
غير أن تجريم “الخفاض” من عدمه في نص الدستور “لا يعني شيئا؛ لأن المزاج الشعبي لا يكترث بالنصوص القانونية والدستورية عندما يتعلق الأمر بموروثاته”، كما قال عباس الأمين، وهو مواطن سوداني.
ويضيف الأمين، الذي يعمل موظفا، قائلا “أعرف أضرار الختان، لكن ابنتي ختنت بضغط من جدتها”.
ومع هذا الحال، يبقى راجحا أن أمام المجلس الحكومي الكثير لتحقيق شعاره “السودان خال من ختان الإناث”، وبالطبع في تواريخ أخرى ليس من بينها عام 2018 كما ورد في خطته، التي أعلنها في 2008.
وشددت جبرالله في وقت سابق على ضرورة سن تشريعات صارمة تجرم ختان الإناث على غرار ما فعلت العديد من الدول العربية والأفريقية، مشيرة إلى أن التجريم من شأنه ردع الكثير من الأمهات والآباء عن ختان بناتهم. وانتقدت السلطات الحكومية في طريقة تعاملها مع الظاهرة قائلة “في العام 2009 أقدم مجلس الوزراء على خطوة غريبة عندما أسقط المادة التي تجرم ختان الإناث من قانون حماية الطفل.. هذه الخطوة تشير بوضوح إلى وجود نافذين في الدولة مازالوا غير مقتنعين بضرورة مكافحة الختان”.
كما ترى جبرالله أن الجهود الرسمية في حاجة إلى الإرادة السياسية والتعاون بين منظمات المجتمع المدني المعنية.
وأوضح علماء نفس أن أسباب استمرار ختان الإناث في السودان ترجع إلى معتقادات خاطئة، نشرت بسبب الجهل والعادات التي لا تمت للصحة والعلم بأي صلة، أبرزها يكمن في الاعتقاد الخاطئ بأن الختان من التعاليم الدينية، بالإضافة إلى أنه يمنع الخيانة الزوجية، ويزيد من متعة الرجل الجنسية، فضلا عن أن الختان يساعد في نظافة ونقاء الأنثى، وأن الفتاة التي لم تختن تقل فرصها في الزواج لأنها تصبح موضع شك في عفتها، وأكدوا أن كل هذه الأسباب خاطئة ويجب توعية المواطنين بالقضاء على ختان الإناث.
وترفض هيئة علماء السودان تجريم ختان الإناث بكل أشكاله لأن ذلك أمر مناف للعلم بالنسبة إليها، مؤكدة أن الختان له أصل في الشرع “وأنه ثابت في الكتاب والسنة”، مبينة أن الخفاض الفرعوني (المبالغة في إزالة أجزاء من العضو التناسلي للأنثى) هو المرفوض شرعا.
وقام المجلس القومي لرعاية الطفولة في السودان مؤخرا بتسليم مسودة مقترحات قانونية إلى البرلمان من 14 بندا شملت العديد من الحقوق لتضمينها في مشروع دستور السودان القادم، ومن بين البنود حماية الأطفال من ختان الإناث، وأكد باحثون أن ذلك يعتبر بمثابة القانون الأول في عهد الحكومات الوطنية السودانية لتجريم عادة ختان الإناث، التي أثبت العديد من العلماء أضرارها بالنساء.