يتناقص إنجاب الأوروبيين أكثر فأكثر. كما يتضح من دراسة كشفها المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية INED في فرنسا الأربعاء 11 يناير/ كانون الثاني، إنه من المتوقع أن ترتفع نسبة النساء المحرومات من الأطفال بشدة في دول شرق وجنوب أوروبا، مع ثبات نفس النسبة في غرب وشمال أوروبا.
وأوضح تقرير المعهد، أن كل أمٍّ من الأمهات اللاتي ولدن في عام 1974 في أوروبا أنجبت في المتوسط 1.7 طفل. يضاف إلى انخفاض الخصوبة تأخر سن الأمومة على نحو متزايد. أظهر المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية في فرنسا مؤخراً أن حالات الولادة في فرنسا في عام 2015 وصلت لأدنى مستوى لها منذ 10 أعوام، بحسب النسخة الفرنسية لـ"هافينغتون بوست".
وإذا استقرت نسبة العقم في غرب وشمال أوروبا، فمن المرجح أن تنمو في جنوب أوروبا، خاصة في الوسط والشرق، لتصل إلى مستويات مماثلة لتلك التي كانت موجودة في أوائل القرن العشرين. الحديث عن العقم هو ما يصف المرأة التي لا تنجب الأطفال، سواء كان ذلك طوعاً أو كرهاً.
لماذا يحدث هذا؟
لفهم ذلك، يرجع الباحثون إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، إذ أبرزوا عنصرين لتفسير ذلك، مما يسمح أيضاً بالتنبؤ بالمستقبل.
أولاً، هناك الوظائف غير المستقرة والسياسات الأسرية التي لا تساعد الآباء الشباب الذين يجدون أنفسهم بميزانية محدودة. ومن ناحية أخرى، صعوبة توفيق المرأة بين الحياة المهنية والحياة الخاصة.
يسمح التفسيران بفهم أفضل للتباينات داخل أوروبا. ولكن لفهم هذا، يجب علينا أن نعود قليلاً إلى الوراء. منذ العشرينات اتّبع العقم منحنى على شكل "U"، كما يظهر في الرسم البياني أدناه، فكان قوياً حتى وصل إلى حقبة الثلاثينات والأربعينات، حين كانت النساء تنجب عدداً أكبر من الأطفال. ولكن معدل العقم بدأ في الزيادة مع جيل الستينات.
الأزمة الاقتصادية والنمو
يبين المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية INED، من مصادر مختلفة، أن النساء اللاتي وُلدن بين عامي 1900 و1910، كانت نسبة العقم عالية جداً بينهن: 17-25% منهن لم ينجبن الأطفال. وتعتبر العزوبية هي السبب الرئيسي. فضلاً عن الوفيات الناجمة عن الحرب، وترك العديد من النساء دون أزواج. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية في الثلاثينات وزادت من عمق المشكلة.
يقل معدل العقم إلى حد كبير عند النساء المولودات في سنوات الثلاثينات والأربعينات (هن ينجبن بالتالي الكثير من الأطفال). يفسر ذلك النمو الاقتصادي في أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية الذي أحدث طفرة في الزواج والمواليد، كذلك الضغط الاجتماعي لإنجاب الأطفال. في المحصلة، تبقى امرأة واحدة فقط من كل عشر نساء في المتوسط بدون أطفال في بداية الأربعينات.
صعود الفردية والتوفيق بين الحياة المهنية والحياة الخاصة
يختلف تطور الخصوبة في أوروبا بعد ذلك تبعاً للمناطق الأوروبية، وهو ما يسمح للباحثين بالتنبؤ بالكيفية التي تتطور بها الأمور.
في الواقع، في أوروبا الغربية حتى سنوات الستينات صارت النساء ينجبن عدداً أقل من الأطفال مرة أخرى؛ بسبب ارتفاع النزعة الفردية، وزيادة قبول الطرق غير التقليدية في المعيشة، ووسائل منع الحمل الأكثر فاعلية، وبداية الحياة كزوجين بدون زواج رسمي، وزيادة تأخر وصول الأطفال، وأيضاً زيادة الاستقرار الوظيفي. وبذلك نعود إلى مستويات مماثلة لتلك التي كانت في أوائل القرن لأسباب اجتماعية واقتصادية. غير أن العقم يستقر في أوائل السبعينات وربما يرجع هذا إلى توافق أسهل بين العمل والأسرة.
سياسات أسرية أقل جاذبية وأكثر وضوحاً في الجنوب والشرق
في أوروبا الوسطى والشرقية، النمط مشابه رغم أنه مفارق قليلاً في الوقت بسبب ضغط اجتماعي أقوى يدفع لإنجاب الأطفال. ولكن منذ سنوات الستينات والعقم يزداد في غربي أوروبا أيضاً. ولكن ما السبب؟ كتب الباحثون "الانتقال المفاجئ للرأسمالية، والشكوك الجديدة في سوق العمل، وأيضاً التقدم في التعليم العالي والفرص الوظيفية الجديدة".
يزيد العقم بصورة أكثر وضوحاً في بلدان جنوبي أوروبا حيث 20% من النساء اللاتي وُلدن في بداية السبعينات في اليونان ليس لديهن أطفال. الأسباب الرئيسية هنا هي معدل البطالة المرتفع، فضلاً عن السياسات الأسرية غير المتطورة.
وهكذا نرى في أوروبا الغربية والشمالية تلاشي اثنين من الصعوبات الهامة التي وصفها الباحثون، وهي سوق العمل وعدم المساواة بين الجنسين، مما يؤدي إلى استقرار في نسبة الخصوبة. طبقاً لتقديرات الباحثين، واستناداً إلى تحليلاتهم، سيزيد العقم مع ذلك أكثر في بلدان وسط وشرق أوروبا، خاصة في الجنوب "حيث تصل النسبة إلى أن واحدة من كل أربع نساء ولدن في السبعينات قد لا تنجب بسبب ضعف السياسات الأسرية وعدم المساواة بين الجنسين التي لا تزال واضحة للغاية".