تشكل ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال منعطفا حاسما ومحطة متميزة في مسار نضال الحركة الوطنية من أجل الحرية والاستقلال والديمقراطية والكرامة، كما تشكل محطة تاريخية ستتذكرها بفخر واعتزاز الأجيال القادمة لاستلهام العبر والدروس التي قدمها الآباء والأجداد فداء للوطن وللعرش العلوي المجيد.
ونحن نحتفل هذا الشهر بالذكرى 73 لتقديم هذه الوثيقة، لا بد أن نستحضر التضحيات المجيدة والغالية التي قدمها ثلة من الوطنيين الموقعين عليها، لتقدم يوم 11 يناير سنة 1944 لبطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، وتسلم نسخة منها للإقامة العامة ولممثلي الولايات المتحدة وبريطانيا بالرباط؛ كما أرسلت نسخة إلى ممثل الاتحاد السوفياتي.
من حق الشعب المغربي بنسائه ورجاله وبأطفاله وشبابه وشيبه أن يحتفل بهذه الذكرى الغالية وفاء لكل الشخصيات التي وقعت الوثيقة التي تضمنت جملة من المطالب السياسية، المتمثلة في استقلال المغرب تحت قيادة ملك البلاد الشرعي محمد الخامس، والسعي لدى الدول التي يهمها الأمر إلى ضمان هذا الاستقلال، مع إحداث نظام سياسي يحفظ حقوق وواجبات جميع مكونات الشعب المغربي.
ولعل أهم ما ميز هذا الحدث التاريخي الخالد هو بروز اسم امرأة واحدة من بين الموقعين على الوثيقة، إنها المجاهدة مليكة الفاسي التي مثلت نموذج المرأة المغربية التي كافحت وناضلت من أجل وحدة الوطن وصيانة حقوق النساء، فكانت من المدافعات على تعليم الفتيات، ما ساهم في تخرج الرعيل الأول من النساء من جامعة القرويين بمدينة فاس.
ولأنها كانت تنتمي إلى حزب الاستقلال وللجيل الأول من نسائه، فلا بد أن تستحضر كل مكونات الحزب العبر والدروس من نضال هذه المرأة العصامية والوطنية.. إنها مثال يحتذى من للنساء المغربيات في الوطنية ونكران الذات والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل أن تنعم بلادنا بالأمن والسلام وأن يعيش الشعب المغربي الديمقراطية الحقيقية التي تضمن لكل أفراد الوطن مختلف الحقوق والحريات، خصوصا من خلال دفاعها المستميت خلال المؤتمر الاستثنائي لحزب الاستقلال سنة 1956 عن حق المغربيات في المشاركة في الانتخابات، وهو المطلب الذي حظي آنذاك بإجماع كل مناضلي ومناضلات حزب الاستقلال.
تعتبر مليكة الفاسي مدرسة في الكفاح والنضال والوطنية، إذ كانت تغار بشكل كبير على وطنها وعلى حزبها، وكانت منذ نعومة أظافرها تناضل بقلمها من خلال نشر العديد من المقالات الصحافية؛ وعرفانا لها ولرصيدها النضالي الغني، سميت العديد من المؤسسات التربوية باسمها في عدة مدن مغربية، غير أنه يجب أن نسجل في هذا الإطار القصور الكبير الذي يعرفه الكتاب المدرسي في التعريف بهذه المرأة ونساء أخريات ضحين بكل شيء من أجل الوطن.