لا شك أن للموسيقى تأثيرا ملموسا على النفس وعلى الأحاسيس البشرية، فهي تنقل الإنسان من حال إلى حال، ويرى البعض أن الاستماع للموسيقى أثناء التعلم والدراسة يؤدي إلى تفتيح الذهن، وهي عادة يتخذها بعض الطلاب لتحصيل أكبر قدر ممكن من المواد الدراسية خاصة أثناء فترة الامتحانات.
لكن نتائج الدراسات أثبتت عكس ذلك تماما، حيث أكدت دراسة أجريت في جامعة كاليفورنيا بولاية لوس أنجلوس الأميركية، أن الاستماع للموسيقى أثناء التعلم له أثر سلبي على تخزين تلك المعلومات في الدماغ وقدرة استحضارها في وقت لاحق.
وأرجع الباحثون النفسيون السبب في ذلك إلى أن الحيرة الذهنية التي تسيطر على الإنسان من انشغال الدماغ بأداء مجموعة من المهام أثناء التحصيل الدراسي الأكاديمي أو غير الأكاديمي، هي أمر يؤثر بشكل سلبي على قدرات الدماغ في الاستيعاب، ويضطر وقتها إلى استخدام أنظمة غير معتادة في حفظ المعلومات.
ووجد الباحثون أن أفضل الأشياء التي يمكن أن يفعلها الشخص لكي يرفع قدرته على الاستيعاب والتحصيل الدراسي، هو أن يبذل تركيزا واهتماما ذهنيا دون أن يكون محاطا بأي عوامل من شأنها أن تشتت التركيز وتشوش الذهن.
وأوضح الدكتور راسل بولدراك، المشارك في الدراسة، أنه على الفرد إدراك أن الانشغال بأداء مهام متعددة أثناء المذاكرة يؤثر بشكل عكسي على كيفية التعلم ومدى الاستيعاب للمعلومات، مؤكدا أن العملية نفسها ستكون شاقة على الدماغ وغير سلسة ومرنة، كما أن محاولة استرجاع المعلومات حين الحاجة إليها بعد ذلك لن تكون أمرا سهلا، وأن عملية التعلم في مثل هذه الظروف ستكون مشتتة للذهن، خاصة الأمور التي تتطلب تركيزا ذهنيا كمسائل الرياضيات أو فهم الشعر القديم، لأن الأمر سيتطلب من الدماغ كي ينجح فيها أن يستخدم طرقا ذهنية مختلفة عن تلك المعتاد استخدامها.
فيما أشارت دراسة فرنسية إلى أن هناك مجموعة من القواعد التي يجب اتباعها عند اختيار الموسيقى المناسبة للمذاكرة،.
وأكدت أن اختيار النوع الخاطئ يمكن أن يؤدي إلى ترك المذاكرة من الأساس، وأهمها تلك الموسيقى الكلاسيكية لأنها من أفضل الاختيارات التي تساعد على المذاكرة، حيث أنها تعطي إحساسا بالطمأنينة والسلام النفسي والتناغم، وكذلك الموسيقى التي تُعرف باسم موزارت “Mozart” لأنها تنشط الخلايا الدماغية. فقد وجد الباحثون أن الموسيقى التصويرية الكلاسيكية للأفلام تعتبر من الأنواع المرشحة بقوة للاستماع إليها أثناء التحصيل الدراسي، بالإضافة إلى الاستماع إلى أصوات الطبيعة مثل الأمطار والأمواج وحفيف الشجر، فهو يخلق نوعا من الاسترخاء يساعد بصورة أكبر على المذاكرة وزيادة التركيز.
وعن التأثير النفسي للموسيقى على التحصيل الدراسي، يقول الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، “لا يوجد تصنيف محدد لفكرة الاستماع للموسيقى أو الأغاني أثناء التحصيل الدراسي والمذاكرة، فهي تختلف من شخص إلى آخر حسب طبيعة الشخصية، فهناك من لا يستطيع أن يذاكر إلا مع وجود صوت التلفزيون أو الأغاني، وهو بذلك يكون
مرتاحا نفسيا، ويحصل على كم أكبر من المعلومات، وهناك آخرون، على العكس تماما، يحتاجون إلى الهدوء التام للتركيز والتحصيل جيدا”.
وأشار جمال فرويز إلى أنه غالبا ما يكون للموسيقى تأثير سلبي على نفسية الطالب خاصة إذا كانت كلمات الأغاني لا تليق وذات معان تثير المشاعر وتخطف التركيز.
موضحا أنه من المعروف أن الشكل الصحيح للمذاكرة أو الطريقة الصائبة تكمن في أن يكون الطالب معتدل الجلوس، وفي مكان ذات إضاءة عالية، ولكن الحقيقة أن هذا ليس بالقاعدة الثابتة التي لا يمكن تغييرها، لأنه يمكن أن يكون الطالب جالسا على السرير مثلا، وآخر في الحديقة، وآخرون لهم عادات غريبة أخرى، فالمهم أن يشعر الطالب بالراحة في الوضع المفضل بالنسبة إليه، والذي يجد فيه تركيزا بشكل أكبر.
أما الدكتورة عبلة إبراهيم، أستاذة التربية بجامعة عين شمس، فتلفت إلى أن الموسيقى لها دور مؤثر في عملية التعليم والإدراك، خاصة إذا كانت من النوع الهادئ، فهذا سيساعد على التفكير والتحليل العميق والسريع.
موضحة أن الإحصائيات التي أجريت حول هذه المسألة، أكدت أن الموسيقى تجلب تحسينات رائعة في المهارات الأكاديمية للطلاب، بفضل الاستماع لأنواع معينة من الموسيقى أثناء الدراسة أو العمل، كما أن للموسيقى تأثيرا على المهارات الشخصية للفرد.
وفي أغلب الأحيان ترتبط حالات الفشل التي يمكن مواجهتها في الحياة بقلة الثقة وقلة الرغبة في التعلم.
وأشارت عبلة إبراهيم إلى أن الطلاب الذين يحصلون على درجات سيئة لا يفتقرون إلى الذكاء بالضرورة، بل يمكن أن يكون السبب عدم وجود حافز أو اهتمام، وفقدان البيئة الاجتماعية والنفسية التي تساعد على النجاح والتفوق.