جميعنا يعرف المرحلة العمرية التي تعرف باسم سن المراهقة، والتي أحب أن أصفها بأنها السن التي يعتقد فيها الطفل بأنه بات كبيراً ويستطيع الاعتماد على نفسه، وبالتالي لا يسمح لأي كان بأن يملي عليه تصرفاته أو أن يقيم سلوكه، لذلك دوماً نصطدم عند محاولتنا تقويم سلوكيات المراهقين بحجر العناد وصلف المشاعر وقوة الألفاظ التي لا تتماشى مع الواقع والحدث. ومشكلة المراهقين دوماً أنهم يرتكبون خطأ متكرراً، هو في إنكار دور الأب أو الأم في حياتهم، ولا يتذكرون في تلك المرحلة إلا السلبيات، أو إذا صحت التسمية الأخطاء التي ارتكبت عليهم، فيضخمونها ويكبرونها في أول صدام واحتكاك معهم، لكن ليس هذا الخطأ وحده الذي يقعون فيه بسبب قلة خبرتهم وتواضعها، بل هناك جملة من الأخطاء التي قد تؤثر في حياتهم ومستقبلهم بأسره؛ من هذه الأخطاء الحكم على الآخرين ببراءة وعفوية، فخبرتهم وسنهم الصغير تجعلهم يثقون بكل شخص يسمعهم كلمات جميلة ومثالية.
أعتقد أنكم تشاركونني الرأي بأن هذا السن تكتنفها جملة من المخاطر الجسيمة والتي فعلاً نحتاج لمعرفة كيف التعامل الأمثل مع المراهق والمراهقة، فنكون مقومين لا كسارين لأنفسهم ومحطمين لأفكارهم.
لكن ماذا عن المراهقة المتأخرة؟! والتي تكون نتائجها أسوأ وأكثر ضرراً، لأنها تمس كافة أفراد الأسرة، وأقصد بالمراهقة المتأخرة ما عرف في الأوساط العلمية بتسميتها أزمة منتصف العمر، والتي يصنفها البعض من علماء النفس أنها تأتي بعد الأربعين من العمر، وتشمل أو تصيب نحو 25% من الرجال، ولها أسباب كثيرة، من بينها شعور الرجل بالتقدم في العمر بسبب ملاحظته لتغييرات مثل التجاعيد أو بياض الشعر أو سقوطه أو ضعف البصر، أو حتى آلام المفاصل وزيادة الوزن وغيرها، ولعل هذه المؤشرات وغيرها تجعله يشعر بفداحة خسارة الزمن، أو أنه بات كبيراً في السن ولا فائدة منه، فتزداد لديه الحساسية ويصبح عاطفياً وتصعب السيطرة على مشاعره.
غني عن القول أن الحياة الزوجية والمرأة تحديداً تعاني من مثل هذا الرجل، حيث يكثر الخصام والخلافات، وفي أحيان لا تفهم السبب وراء كل هذه الحساسية المفرطة، أو غيرها من السلوكيات التي تؤشر أن الزوج في هذا السن يقوم بمغامرة، أشبه بمغامرات المراهقين، فينسى العمر الذي بلغه. علماء النفس والتربويون، رصدوا مثل هذه السلوكيات وعددوا جملة من المؤشرات التي يمكن أن توضح لنا أن هذا الرجل يعاني من أزمة منتصف العمر (المراهقة المتأخرة) مثل مقاومة الشعر الأبيض، الميل نحو ارتداء ملابس شبابية، ومحاولة تقليد الشباب حتى في سياراتهم. والبعض يبحث عن زوجة ثانية أصغر سناً تشعره بأنه مرغوب، ويشعر بأنه يبهرها بخبراته الحياتية، هذا الصنف من الرجال يرتكب أخطاء فادحة بحق نفسه وغيره، فهو يسيء لمن رافقته مسيرته الحياتية ويظلم أطفاله أيضا.
والذي أريد الوصول له أن المراهقة الأولى، والتي يعاني منها الأطفال أو المراهقة المتأخرة التي يعاني منها الكبار، جميعها مراحل عمرية، والمطلوب زيادة معارفنا حولها حتى نتمكن من مساعدة أحبتنا، وعندما نتحدث معهم نتحدث من خلفية علمية ومعرفية، فنكون أكثر فائدة لهم.