ممارسة القسوة والعنف بحق المرأة من قبل الرجل مرده بالدرجة الأولى لثقافة الرجل نفسه والذي لا يمكن عزله عن الثقافة الجمعية للمجتمع الحاضن لكل منهما ( الرجل والمرأة ) ، وبالنظر لمجتمعنا السعودي يتعذر عليك أن تتعامل مع قضايا التعنيف بحق المرأة دونما أن تلتفت لواقع المرأة داخل الوعي المجتمعي ، فبالإمكان بسهولة تامة في السعودية أن تسمع أحد المارة في مكان عام وهو يصب جام ألفاظه البذيئة على المرأة المرافقة له دونما أن يترك ذلك أدنى درجة من درجات الإدانة من قبل السامعين ، بل على العكس .. قد تجد منهم من يمتدح ذلك !! حتى من قبل المرأة نفسها ، فبعض النساء مشحونات بذات الثقافة التي تعطي الرجل كامل الصلاحية في بسط سيطرته على المرأة ، فالأم تشجع ابنها على زوجته وكذلك الأخت ، والامتداح العام هذا !! هو ما يضعنا أمام مكمن العلة في تزايد حالات العنف داخل المحاكم السعودية والتي وصلت بحسب جريدة الرياض إلى ( 454 حالة ) في عام 2012 م ، وبالطبع حينما تسأل لماذا الرجل أساساً يضطلع بهذا الدور !! تجد الإجابة فيما وصفته إحدى الكاتبات السعوديات في مجلة "المجلة" اللندنية " المفتاح في الإشكال العميق داخل ثقافة المجتمع " ، ذلك المفتاح كانت تقصد به " مفهوم شرف الرجل " !! فهذا المفهوم - بحد وصفها- هو ما يدفع بالرجل لإحكام قبضته وسطوته على المرأة ليس حماية لها بقدر ما هو حماية لشرفه هو ، الأمر الذي جعل من هذا المفهوم بمثابة الكابوس الجاثم على صدر المرأة والرجل على حد سواء ، لأن الأخير أصبح لا يرى إلا ما يراه المجتمع فقط .. أي أن معايير المجتمع وقوانينه غدت بديلاً عن معايير الدين والمنطق بالنسبة له ، لا يريد أن يراها أحد حتى وإن كانت في كامل حجابها أو أن يسمع صوتها أحد حتى وإن كان عبر الهاتف ، ولا يريد حتى أن يُعرف اسمها !! فإن خالفت هذه الإرادة بقصد أو بغير قصد كانت حينها مستحقه لعقابه وسخطه عليها ( العنف اللفظي ) ، لذلك نجد أن الرجل حينما يسافر مع أسرته لدولة أخرى يتسامح في معظم المحاذير التي كان يطوق بها عنق زوجته أو بناته دونما أن يشعر مجرد الشعور بأن ذرة من شرفه قد انتهكت.
وعلاوة على ما أشارت له الكاتبة أعلاه فإن المرأة لا تعد مقياساً لشرف الرجل الذي ترتبط به وحسب ، بل وتعد كذلك مقياساً لشرف العائلة التي تنتمي لها والقبيلة التي تنحدر منها ، مما يجعلها في بؤرة التقويم الدائم والمستمر لكل حركاتها وسكناتها منذ خطواتها الأولى ، ولعلكم سمعتم بالقبيلة التي منعت إحدى الأرامل من تسجيل ابنتها في كلية الطب بدعوى شرف القبيلة !! وكأنما المرأة باتت ذلك المسمار الذي عليه تتعلق سمعة وكرامة كل دوائر المجتمع المحيطة بها ( البيت – العائلة – القبيلة ) إن سقط سقطت ، وإن بقي بقيت ، ومن هنا ومن خلال هذه النظرة لجسد وكينونة المرأة داخل المجتمع الذي يقيّمه ويسيّره ويتحكم في سكناته وحركاته ( الذهنية المأزومة بعقدة التفوق الذكوري ) غدا الرجل بالنسبة لزوجته أو أخته أو ابنته أو حتى أمه بمثابة المطرقة !! كلما ظن مجرد الظن أن المسمار ( المرأة ) بدأ يتراخى هوى على رأسه يطرقه بعنف ليعيد تثبيته في مكانه ، فإن كان هذا هو الوعي العام السائد في المجتمع تجاه المرأة ( من دون تعميم طبعاً ) فمن المؤكد أن نظام الحماية من الإيذاء الذي تم إقراره مؤخراً خطوة مهمة في إطار تخفيف حمأة الإيذاء تجاه المرأة – على الأقل - من حدة الدق على رأس المسمار ، لكن الخطوات الكبرى والأكثر أهمية هي ما تفضي لمحو مفهوم ( الرجل المطرقة والمرأة المسمار ) تماماً في الذهن العام للمجتمع.