تقع الفتاة في مأزق حقيقي عندما تجد نفسها على وشك التورط في الارتباط بشخص غير مناسب لها ولا تشعر معه بأي توافق نفسي وفكري، أو يوجد بينهما اختلاف جذري في الشخصية والطباع، مع موافقة أهلها على هذا العريس بسبب إمكانياته المادية أو لمهنته المرموقة أو دخله الشهري، فهناك أسس ومعايير للأهل تختلف عن الفتاة، فتجد الفتاة نفسها في حيرة ما بين إرضاء الأهل والزواج من هذا الشخص غير المناسب بالنسبة إليها، وبين أحلامها وطموحاتها في اختيار شريك حياتها بنفسها.
وأظهرت دراسة أجريت في الوطن العربي، أن نسبة تدخل الأهل في قرار زواج الأبناء وخاصة في حالات الزواج المبكر تصل إلى 37.5 بالمئة من أصل العينة التي بلغت 3500 أسرة، وبنسبة 50.3 بالمئة بالنسبة إلى قرار زواج البنات، وكان القرار شخصيا للأبناء 43.3 بالمئة، وللبنات 29.3 بالمئة. كما جاء في الدراسة إن التدخّل في قرار الزواج يتبعه تدخّل آخر في قرار الإنجاب؛ حيث بلغت نسبة التدخّل للأهل 9 بالمئة بالنسبة إلى أهل الزوج، و3 بالمئة بالنسبة إلى أهل الزوجة، وكانت النسبة الأكبر من التدخّل بسبب ضرورة إنجاب الذكور.
ووجد الباحثون في الدراسة أن هذه النسبة لا تعتبر غريبة بل إنها طبيعية ومنطقية بالنسبة إلى العادات والتقاليد التي تربت ونشأت عليها المجتمعات الشرقية، والتي تصل إلى مكانة القوانين الصارمة، التي تحث على إرضاء الوالدين والحصول على الخبرة والنصائح من قبل الأكبر سنا، وجعلت عدم الانصياع وراء آرائهم جريمة من كبائر الذنوب، مما أجبر الكثير من الأبناء على الخروج من هذه العادات والقيم، وإقناعهم بأن قرار الزواج يخصهم وحدهم لأنها حياتهم الخاصة وهم الأحق بالاختيار.
ولفتوا إلى أن نصائح الأهل عادة ما تتبلور في التحذير من الاختيار بالقلب فقط؛ قائلين للأبناء إن “الزواج عمر طويل لن يتحمّل غيركم تبعاته، التي ربما تدخلكم في دوّامة لا تنتهي من الندم والحزن”، وأن يجعلوا للعقل دورا أكبر في اختياراتهم لشريك العمر. وأكدت دراسة مصرية أن الزواج السريع أحد الأسباب الرئيسية وراء سهولة الطلاق في السنة الأولى من الزواج، والتي تعتبر من أصعب السنوات في عملية فهم كل طرف للآخر.
كما كشفت أن التردد في اختيار الشريك يعد عاملا مؤثرا في احتمالات حدوث الطلاق وتفكك الأسرة، مشيرة إلى أن الاختيار أصبح يرتكز بشكل أساسي على الغنى والثروة والمركز الاجتماعي أكثر من العوامل الأخرى، وهذا السبب كان وراء تغير وجهة نظر 52 بالمئة من المطلقات تجاه من طلقهن وعدم قناعتهن بمن ارتبطن بهم. وأكدت هبة سامي، استشارية العلاقات الاجتماعية والزوجية في مصر، أن اختيار شريك الحياة يعتبر حقا من حقوق الفتاة أو الشاب، ويجب على الأهل منحهما هذا الحق كاملا، لأن الزواج قرار شخصي يتحمل تبعاته المتزوجان، مشيرة إلى أننا نعيش في عصر مليء بالتطورات التكنولوجية، ويسعى إلى محو الأمية مع الحفاظ على العادات والتقاليد.
ولفتت إلى أنه لا يمكن أن نغفل أهمية أن يكون الزوج مناسبا ومقبولا من الأهل، كما أن للوالدين دورا أساسيا في إرشاد الفتاة إلى قضايا الزواج، لكن لا يمكن إجبار فتاة على استكمال باقي عمرها مع شخص لا تستطيع أن تتوافق طباعها معه، مشيرة إلى أن الأهل يريدون الحفاظ على أبنائهم وصون حقوقهم في قضايا كثيرة كالميراث وشروط الزواج، لكن هذه القواعد تختلف عند الأبناء في تفكيرهم الذي يكون في الغالب أكثر نضجا.
وأوضحت أن الكثير من الفتيات يواجهن موقفا محرجا نتيجة رفضهن لعريس يكون مناسبا من وجهة نظر أهلهن، منبهة إلى أنه يمكن للفتاة أن تشعر العريس بأنه غير مرغوب فيه باستخدام عدة طرق، منها الصمت، فتجلس صامتة لا تتحدث في أي شيء ولا تبدي رأيا حتى لا يتحول مفهوم ما تفعله العروس على أنه خجل، وفي حين أجبرت على الحديث فيجب أن تكون كئيبة وتتحدث بطريقة غير مرغوب فيها، حتى تشعره بأنها ترفض هذا الزواج، ويمكن أن تتحدث معه في ذلك بشكل مباشر حتى يأتي الرفض من جانب العريس وتتجنب هي غضب الأهل.
وأضافت أن هناك طرقا غير مباشرة يمكن أن تستخدمها الفتاة للتخلص من العريس غير المناسب، وهي التركيز على طريقة التعامل مع والدة العريس، ومنها أن تسأل العروسة عن طباع وعادات العريس السيئة، وأن تستفسر عن عدد العرائس التي تقدم لهن ولماذا باءت المحاولات السابقة بالفشل، وأن تسأل والدة العريس عن خبرتها في الزواج مع زوجها وتطلب منها أن تعطيها البعض من النصائح من تجربتها، كذلك أن تسأل الفتاة هل من عادات العائلة أن تتصل هاتفيا قبل الزيارة أم لا.
وأشارت إلى أن هذه الأسئلة من شأنها أن تكون غريبة وغير مألوفة بالنسبة إلى اهل العريس ويرون من خلالها أن هذه الفتاة ليست المطلوبة وغير مناسبة بالنسبة إلى ابنهم ووقتها سيتراجعون، ولن يفكروا في الارتباط منها من تلقاء أنفسهم. هذا، وخلصت الدكتورة هالة حماد، استشارية الطب النفسي، إلى أن دور الأهل في عملية اختيار الزوج يتمثل في حماية بناتهم والتأكد من جدية الشخص المتقدم للزواج وظروفه حتى لا تتعرض الفتاة للخداع والكذب، مع عدم إلقاء كلمات مؤلمة إلى البنت بعد اللقاء وإعطاء مساحة لها إما بالرفض أو القبول بحرية تامة. وأكدت أنه يجب على الفتاة أن تتعلم وتعمل على بناء شخصيتها، وأن تضع لها هدفا يمكن تحقيقه وترسم لها طريقا في الحياة، وأن تكون مواصفات وسمات الشخص الذي تريد الارتباط به خليطا ما بين العقل والقلب، حتى تتمكن من اختيار الزوج المناسب والأصلح.