في ملفات تاريخنا العربي الإسلامي العريق نساء أنقذن بحكمتهن أقوامهن ومجتمعاتهن من حرج محتم وربما من ارتكاب إثم وضرر كان سيقع لا محالة هن كثيرات مجدهن التاريخ فهذه بلقيس ملكة سبأ باليمن التي أسلمت مع سليمان لله رب العالمين والتي عرفت بفطنتها أنها لا تقوى على سليمان وجنده وأن ما جاء به هو الحق فكان قرارها لا عن كبر بل بعد شورى أهل الحل والعقد والفطنة في قومها إذ قالت (يا أيها الملأ أفتوني في أمري. ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون )/النمل (32 )/فشاركتهم مسؤولية اتخاذ القرار الذي حدد مصير القوم وكانت النجاة.
وهذه السيدة الطاهرة التقية النقية خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها التي يشهد لها تاريخ الإنسانية في وقوفها إلى جانب زوجها المبعوث رحمة للعالمين في الموقف الحاسم الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الوحي وهو لا يعرف بعد ما الخبر وما المسؤولية فيقول لها (لقد خفت على نفسي )لتطمئنه مباشرة بذكرها أشياء تغيب عن ذاكرته في مثل تلك الظروف فتهدئ من روعه وتصطحبه إلى ذو الاختصاص في الموضوع وهو ابن عمها ورقة ابن نوفل ليخبره بحسب علمه واطلاعه على الكتب السماوية أنه الناموس الذي نزل على موسى وعيسى عليهما السلام.
وهاهي سيدتنا أم سلمه رضي الله عنها وأرضاها والتي رافقته صلى الله عليه وسلم في رحلة الحديبية وبعد أن تم الصلح والذي كان ظاهره مجحفا بحق المسلمين ما أدى إلى شعورهم بالحنق الشديد خصوصاً وأنهم لم يدخلوا مكة رغم وصولهم إلى مشارفها. فيأمرهم صلى الله عليه وسلم بالحلق والتحلل من العمرة لتكون المفاجأة أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين لا يحلقون (رغبة منهم في تغيير الموقف) فيشتد الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل خيمته ويقص على أم سلمة الخبر ويقول لها لقد خشيت عليهم أن يعمهم الله بعذاب فيجد عندها المخرج سبحان الله إذ تقول له (أخرج ولا تكلم أحدا ولكن ادع حلاقك فليحلق شعرك) ففعل فتسابق الصحابة الكرام ليحلق بعضهم لبعض بصمت في ثناياه الغضب على المشركين خصوصاً أنهم أرادوا العمرة ولم يتسنى لهم.
هؤلاء نسوة ذوات فطنة وحكمة نفخر بهن ويفخر التاريخ بما تركنه من بصمات لأنهن لنا الأمهات والقدوة والنموذج الذي نعتز به وحق لكل من في تاريخه أمثالهن أن يباهي الدنيا بهن لأنهن فخر النساء حتى تاريخنا هذا.