التغيرات التي شهدها العالم العربي، وخاصة الحروب واستشراء العنف والطائفية والتطرف، ساهمت في ترسيخ صور سطحية عن الإنسان العربي، الذي غالبا ما تصوره الفنون ووسائل الإعلام في صورة الجاهل والعنيف والمتطرف، وتصور المرأة على أنها عنصر سلبي مستلب الوجود والكيان.
وشأنها شأن صورة الرجل العربي، لم تتغير صورة المرأة العربية التي يقدمها الغرب، صورة نمطية مجافية للواقع في الكثير من الأحيان، وإن تراجعت هذه الظاهرة نسبيا منذ عام 2011، وتحديدا منذ أحداث “الربيع العربي”.
وفي هذا السياق، ترصد الباحثة ياسمين أسامة عبدالمنعم في كتابها الصادر مؤخرا عن دار العربي للنشر بعنوان “صورة المرأة العربية في الصحافة الأميركية والبريطانية” ملامح الصورة المشوهة للمرأة العربية خاصة في الإعلام الغربي.
وتؤكد الباحثة أنه على الرغم من التطور التكنولوجي وتحسن أوضاع المرأة العربية، ظلت الصحافة الغربية تقدم صورا قديمة ومشوهة ومتحيزة ضد العرب بصفة عامة، والمرأة العربية بصفة خاصة، حيث دأبت على تقديمها في صور نمطية تعكس الاستسلام والسلبية والأمّية والانقياد والتبعية للرجل والمجتمع وعاداته والتقاليد التي تحكمه، حيث لا تبرز من دور المرأة إلا تلك الأدوار التقليدية المربوطة بالإنجاب والبيت، في تجاهل تام لما حققته من نجاحات في مجالات عديدة.
وأشارت إلى أن أحداث سبتمبر 2001 وتداعياتها أضافت المزيد من التشوهات على صورة المرأة العربية بعد أن ارتبط الإسلام بالإرهاب في أذهان الغرب، وساد الخوف من الإسلام والمسلمين بصفة عامة، ومن العرب بصفة خاصة باعتبارهم “الخطر الجديد على الحضارة الغربية”.
وتبين عبدالمنعم في كتابها أن هذه الصورة اختلفت منذ ثورات “الربيع العربي” التي مثلت نقطة تحول في نظرة عدد من الدول الغربية إلى العالم العربي، وانعكست على التناول الإعلامي لهذه المنطقة من العالم التي عانت كثيرا من الاضطهاد ونظرة الغرب السلبية وأحكامه وتقييمه الجائر لشعوبه وثقافته وحضارته، وبالتالي للمرأة العربية التي قامت بدور محوري في الاحتجاجات والتظاهرات، وكانت لها مشاركة لافتة أبهرت الغرب حكومات وشعوبا، وربما جعلتهم يعيدون النظر في الصور النمطية القديمة التي لم تكن ترى في المرأة العربية سوى ذلك العنصر السلبي والمغيّب، وتغافلت عن حاضرها الحافل بالإنجازات والنجاحات.
وتقول الباحثة إن هذا التغير بدا واضحا في اختيار مجلة “التايم” الأميركية في عددها الصادر في 14 ديسمبر 2011 وجْهَ متظاهرة عربية نشرته على غلافها بعنوان “المتظاهرة العربية”، باعتبارها من بين أهم مئة شخصية أثّرت في العالم عام 2011، كما نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية على رأس قائمتها لأهم عشر نساء في 2011 صورة لامرأة عربية تقف في مواجهة مدرعة للأمن تعبيرا عن شجاعة المرأة العربية في مقاومة رموز القمع والظلم.
وتوضح عبدالمنعم أنها اختارت في دراستها عينة من الصحافة الأميركية والبريطانية اليومية والأسبوعية خلال ثلاث سنوات (2011-2013)، للكشف عن عناصر هذه الصور ومكوناتها الرئيسية وتحليل ما تضمّنته من اتجاهات.
لذا فالكتاب يغطي فترة زمنية فاصلة شهدت أحداثا مهمة غيرت كثيرا من أوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، وامتدت آثارها إلى العالم أجمع، الأمر الذي يفسر الاهتمام غير المسبوق من قِبل الصحافة العالمية بالمرأة العربية، التي خرجت في المظاهرات الاحتجاجية وقادت المسيرات المطالبة بالإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في بلادها، وظهرت في صورة مغايرة عن الصور النمطية القديمة التي اعتادت وسائل الإعلام الغربية تقديمها.
وتقول الباحثة إن هناك تحسنا ملحوظا في مكونات الصورة التي تقدمها الصحافتان الأميركية والبريطانية لجماهير قرائهما عن المرأة العربية، حيث وصفت كلّاٌ منهما بأنها امرأة مثقفة وشجاعة ومتحدية للمشكلات التي تواجهها، وأبرزت أدوارها المتعددة في المجتمع، كما قدمت نماذج لشخصيات نسائية ناجحة في مجالات السياسة والاقتصاد وإدارة الأعمال والفن والرياضة وغيرها من المجالات التي برعت العربيات فيها.
وتدعو الباحثة إلى إنشاء أجهزة للرصد الإعلامي المنتظم والمستمر لصورة المرأة العربية في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية، وعدم الاقتصار على وسائل الإعلام الغربية، حتى يمكن التصحيح أو التعديل أو الرد على الادعاءات والتجاوزات أولا بأول، قبل أن تستقر في أذهان الجماهير وصناع القرار وخاصة في أذهان المجتمعات المختلفة ثقافيا.
كما توضح عبدالمنعم أهمية الإعلام في صناعة الرأي وبناء ثقافة المجتمعات، لذا دعت الباحثة إلى توفير حيز إعلامي دائم لتقديم صور أكثر عمقا عن المرأة العربية والإنسان العربي بصفة عامة، هذا الإنسان المحاصر اليوم بين نظرة الآخر النمطية وبين واقعه الصعب، ولكنه يظل يحاول في كل مرة تقديم الإضافة في شتى المجالات، والكثير من العرب نجحوا في تبوؤ مراتب علمية أو قيادية عالية في شتى أنحاء العالم.