وجيهة عبدالرحمن كاتبة سورية كردية، كتبت الشعر والقصة والرواية، لها ديوان شعري بعنوان “كنْ لأصابعي ندى”، وعدد من المجموعات القصصية منها “نداء اللازورد”، “أيام فيما بعد”، “الإفريز”، كما أنها كتبت في الرواية “الزفير الحار” ثم “لالين”.
في روايتها الأخيرة “لالين” تتصدى عبدالرحمن لمسائل تتعلق باللاهوت، ومن خلال تطور المسار السردي في روايتها تتطرق إلى ما بعد الثورات في الربيع العربي، تقول عبدالرحمن “وفق منظوري إلى مسألة الأديان فإنني أجد فيها المأزق الذي لم يتمكن العالم بأسره من الخروج من عنق قارورته، بالرغم من التقدم التكنولوجي والتطور البشري منذ أن نشأت الأديان وصولاً إلى الراهن المأساوي، ربيع الثورات العربية في باطنها لم تكن سوى مطيَّة للخوض في مسألة الطائفية والتطرُّف الديني على كافة المستويات، ما قمت به هو بمثابة رسالة مفتوحة على الكثير من الاحتمالات المتوقعة كردِّ فعل من جهة القارئ على مسألة في غاية الخطورة ضمن مسألة المحظورات والمقدس منها”.
مناطق شائكة
الثورة السورية حاضرة في رواية عبدالرحمن “الزفير الحار” ومن بعدها “لالين”، توضح الكاتبة السورية أن روايتها “الزفير الحار” كتبت قبل سنوات من الثورة السورية، ولكن ما كتبته في روايتها تلك كان بمثابة نبوءة على أن الثورة قادمة، قائلة “كيف لنا ألّا نتنبأ بثورة جماهيرية سورية في ظل فساد متجذِّر، خاصة أن بطل رواية الزفير الحار كان من ضحايا نظام الأسد الأب (حافظ الأسد)، ورواية لالين قد كتبتها في بداية الثورة السورية، وهي الأخرى كانت نبوءة، إذ أنني تنبأت بمآلات ثورة لم تكن قد نضجت بعد أو أنه تم الالتفاف عليها، الثورة التي تحولت إلى حرب إقليمية ودولية وطائفية يتصارع فيها أصحاب النفوذ والمصالح والمتشددون الذين استخدموا الدين مطية لتمرير أجنداتهم”.
تستطرد عبدالرحمن “لالين رواية في اللاهوت والحرب والسياسة والحب، كل تلك المناطق الشائكة في الرواية فرضها السياق الروائي، لكن العمل الروائي حالما يبدأ فإن الشخوص أيضا تبدأ بأخذ زمام سير الأحداث للمشاركة مع الكاتب الذي يحمِّل العمل عبء أفكاره”. تلفت عبدالرحمن إلى أن الكاتب حين يعيش تجربة ما فإنه يكتب عنها وفق تفاعله معها لكون الكاتب في هذه الحالة هو جزء من الأحداث، لذا يكتب وفق انشغاله بالتفاصيل التي تهمه، ولكن هذا لا يعني أن الروائي في الكثير من الأعمال يتحول إلى ذلك الشخص الثالث الذي يراقب الأحداث ويعاينها وفق مجساته الداخلية، من حيث التفاعل العاطفي أو الفكري، ولكن يتحتم عليه في هذه الحالة أن يكون منطقيا لأنه الوحيد القادر على الإلمام بالتفاصيل المرئية للحدث.
واجهت رواية “لالين” مشكلة المنع لجرأتها في مسائل الدين والجنس. كيف تنظر عبدالرحمن إلى الأصوات التي تنادي بوضع حدود لتناول مسألة الجنس في العمل الأدبي؟ وهل المرأة تواجه قيودًا ونقدًا أكبر حين تكتب بجرأة في مثل هذه المسائل؟ تجيب ضيفتنا “تلك الأصوات هي جزء من الكل الذي يملك هو الآخر مساحته لرفض تلك الأصوات التي لا تزال تنظر إلى الإبداع على أنه مجرد قصص للتسلية، وأكاد أجزم بأن معظم الأصوات المناهضة لمسألة الجنس في الأدب تتلذذ بما تقرأه في الخفاء، ثم ما الضير من توظيف الجنس في العمل الأدبي بغض النظر عن الجنس الأدبي (الشعر، القصة، الرواية) إذا كان هذا التوظيف يصب في خدمة الإيصال ومصداقية العمل”.
وتتابع “المثقف العربي أو القارئ العربي المنتمي إلى تلك الشريحة يتلذذ بقراءة الأعمال الروائية الغربية التي يكون الجنس فيها طاغيا، وينكر ذلك على الكاتب في مجتمعه، بذريعة أن في ذلك خدشا للحياء الاجتماعي وإخلالا بقواعد الحشمة والأخلاق، الأجدر بأولئك العمل على منع ما يحدث في المنطقة العربية من تجارة بالنساء وبشرفهن، إن ذلك قمة الرجولة والشرف”. تشير عبدالرحمن إلى أن المرأة تواجه تلك القيود أكثر من الرجال، لأن المجتمع الشرقي العربي لا يزال ينظر إليها على أنها تابعة، ولا يحق لها تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها بنفسه، ومن جهة أخرى فإنه يتعامل مع نتاج المرأة الجريئة على أنها توثق تجاربها الخاصة، وهذا أكبر خطأ يقع فيه القارئ الجاهل بماهية الكتابة.
توضح عبدالرحمن أن ما يهمها من الكتابة طرح القضايا الإشكالية التي يخشى المجتمع العربي الخوض فيها علناً من أجل إيجاد الحلول لتلك القضايا العالقة بمشاركة القارئ، الذي يشكل نواة العمل الإبداعي، لكونه هو الطرف المعني، من منطلق أن الكتابة هي الحامل لأي ثورة أو تغيير بالتزامن مع الحركات الشعبية والجماهيرية (الثورات). وتلفت الكاتبة إلى أن هاجسها الأول هو العمل على إحداث تغيير أو فارق من خلال الكتابة التي هي كل ما تملك في مواجهة الشرور، فالكتابة تمنحها فسحة من الوقت ومساحة حركة كافية لتقول ما يحضرها وما ترغب في إيصاله إلى الآخر، وتنتظر منها أن تفتح عقول وقلوب القرّاء.
مفتاح الشعر
البدايات الشعرية للكاتبة السورية وجيهة عبدالرحمن تركت آثارها واضحة في كتاباتها القصصية والروائية في ما بعد، حيث ترى عبدالرحمن أن اللغة الشعرية هي المفتاح الذي يفتح به الكاتب أبواب السرد، ربما هذا الكلام لا ينطبق على الكثير من الكتَّاب الذين بدأوا بالسَّرد مباشرة، ولم يحقنوا سردهم بتفاصيل شعرية، وهذا ليس مأخذا عليهم، على أنَّ لكل ِّكاتب طريقته في الكتابة، فإذا كان النص الأدبي هو المتن فإن وظيفة الشعر هي العمل في مناطق معينة من هذا المتن، وفي حال اعترفنا بالشعر على أنَّه أداة للكشف والمعاينة، فإنه بذلك يكون أداة قابلة للتوصيل أيضاً ولكن تظلُّ اللغة السردية العادية هي اللغة الأمثل في العمل الروائي، لئلا يكون السرد عبئا على القارئ. وتتابع الكاتبة “من منظور كون الرواية الشعرية هي رواية بطيئة الحركة بفعل الإيغال في البلاغة المقيِّدة لسير الأحداث والسرد الحكائي، فإن اللغة في هذه الحالة تصبح عبئا على القارئ وهي محاولة خطرة أحياناً لا يدرك كاتبها العواقب المحتملة، لأنَّ الرواية كجنس أدبي لا تقبل القيود والتأطير والثقل الزائد”.
الكثيرون يتحدثون الآن عن دور الرواية في مواكبة الواقع المعيش والتعبير عن الراهن العربي، وهنا تنوّه عبدالرحمن بأن الأمر يرجع إلى عملية توظيف المادة الأدبية في سياق الأحداث الاجتماعية الحياتية اليومية، والتي تقوم على أساس عمق التفاعل بين الأديب والمجتمع وأسلوب إبداعه الأدبي، إذ يحدث أن يتم توظيف القدرات اللغوية والفكرية والثقافية في خدمة المعيش من الأحداث، من هنا يمكن القول إن الأديب أو الروائي بصورة خاصة هو السارد المكلَّف من قبل التاريخ لتدوين وتأريخ الوقائع، ولكن وفق سياق أدبي مستساغ للأجيال التي تختلف في رؤاها ومواقفها ونمط تفكيرها وتطلعاتها ودرجة الانفتاح من عصر إلى آخر.