عقدتي في هذه الحياة, كان سببها هذا العقل الذي احمله في رأسي, حيث من شكل لي لغزا كبيرا, وعذبني في يقظتي كما في المنام . حيرني كثيرا الى درجة انه استعصى علي تحمل ثقل اسئلته. من أنا ؟ ومن أكون ؟ ولماذا خلقت ؟ ولأي مهمة اصلح ؟ ولماذا ازدت في هذا الكوكب اللعين المليء بالمتناقضات و بالمنافقين اصحاب المصالح الذاتية؟ هكذا, لربما جئت الى هذا المكان الخطـأ عن طريق الخطأ. فموقعي حقيقة لا يستحق ان يكون هنا على هذه الارض, كان من المنطق ان احيا تحت سماء اخرى, فوق كوكب اخر هادئ, حيث يسود السلم والسلام والحب والتعاون بين ساكنتها, انسانا كانوا ام غيرهم. عقدتي, اني تارة احسب نفسي صاحب العقل السليم, الرجل المتخلق, الصادق الأمين, الذي تهوى نفسه حب الخير للجميع , والذي يحاول قدر الامكان ان يرضى جل الناس , وتارة اخرى ارى نفسي اكبر الاغبياء, الاهبل, الجبان, الغير الواقعي, المفلت للفرص والذي لا يستفيد من دروس الحياة. بعد تقييم عميق, ومن اجل الاستمرار على هذا الوجود الى ابعد نقطة ممكنة بأمان, وجدت انه لا غنى لي الا في سلك الدرب الذي سلكه السواد الاعظم من الناس, انه طريق الفساد. فاكيد هو من سيخلصني من كل ضغوطات هذه الحياة, الدرب المفروش كله بالورود, والذي سيلاقيني بكثير من الناس, ويعرفني بكبرى الشخصيات, و يجلسني بقربهم ويجعل رزقي في جيوبهم, وهم من سيقفون معي في كل الازمات. يكفي فقط ان اكون خادما وعبدا لهم, اقضي مصالحهم كلما ارادوا ذلك, اصفق لكل كلمة خرجت من افواهم, اساند في الانتخابات من يملك كثيرا من المال والسلطة. هكذا سـأكون على احسن حال, عوض ان احيا وأنا اعارضهم وافضح فيهم. ففي كل حال من الاحوال, شئنا ام ابينا, ان الفاسدين خير من المواطنين العاديين, فهؤلاء البسطاء لاينفعوك مهما عملت لاجلهم, قد يصفونك بالبطل القومي كلما تناضل من اجل حقوقهم وحين يسقطوك في الجب, يمطرونك باذل الاوصاف ولا من واحد يقف الى جانبك, كلهم كنافخي الكير, لاتجني من ورائهم سوى الثقوب, على عكس خدمتك للفاسدين. جميل جدا ان اعتلي هذا المسلك المربح, انما نسيت ان كان سيفك عقدة هذا الدماغ العنيذ الذي احمله في راسي؟ لكنه لو كان يرضى بهذا الذل ماعذبني كل هكذا عذاب. مشكلتي معه انه لا يهوى لا المال الكثير ولا افخر الملابس ولا احلى المأكولات, انما ما يهواه هو ان يقاتل ويدحر هذا الفساد الجميل, ولو انه لا يستطيع, ولهذا سيعيش ما تبقى في الحياة كما عهد في الماضي الى ان يشاء الله.