حينما يتم اضطهاد سيدة مُسنة من جنوب مصر لا ذنب لها سوى أنها مسيحية.. وحينما يتم سحل سيدة أخرى من المكان ذاته.. فنحن هنا نكون أمام واقع مرير يستحق منا وقفة صارمة لإدانة ورفض ومواجهة مايحدث من أعمال عنف وتطرف وإشعال حرائق وتأجيج فتن.
إن أقسى ما يمكن أن تمتهن به كرامة امرأة.. هو أن يتم تجريدها من ملابسها أو وصمها فى سمعتها أو اتهامها فى عرضها.. هنا يكون الجرح الذى لا يندمل أبدًا مهما حاولنا تضميده أو علاجه أوتخفيفه.. بل ويسبب نزيفًا بالروح وألمًا بالجسد وكسرًا فى الكرامة.. وحتى لو أخذت مثل هذه المرأة حقها تعويضًا عما لحق بها.. فإن إهانة جسدها يترك بصماته بداخلها.. وكذلك بداخل كل من يحس بقدر- ولو ضئيلًا- من الرحمة والإنسانية.
ومع كامل احترامى لكلمة النيابة والقضاء.. فإننى هنا لا أتطرق إليهما.. بل أطالب بفتح ملف التطرف فى جنوب مصر.. كما أطالب بفتح ملف الفتاوى التى تنهال علينا كل يوم دون أن يتم وضع ضوابط لها ولمن يطلقونها علينا.. وكأنها أوامر دينية ضد النساء.
إن التحقير من شأن نساء مصر.. هو أمر مرفوض ويجب أن نتصدى له جميعاً.. حكومة وشعبًا وإعلامًا وتعليمًا وثقافة ومجتمعًا مدنيًا.. إن الأمراض المجتمعية التى أصابت مجتمعنا ليست وليدة اليوم.. كما أن ترديد الأفكار المتشددة والمتطرفة لن ينتهى ببساطة أو بسرعة.. لأنه نتاج تعليم لا يدعو للتنوير ولا يهتم بالتطور والتطوير فى مناهجه.. إنه نتاج مدارس ومعلمين متشددين تُركوا ليبثوا سموم التطرف والتشدد فى ممارساتهم اليومية على أولادنا منذ الصغر فى المدارس.. إنه نتاج ثقافة مجتمعية لم تكترث بمواجهة التطرف الذى تغلغل داخل العقول شيئًا فشيئًا وفى حاجة إلى مراجعة.
إن التحقير من شأن نساء مصر هو أيضًا نتاج أوضاع مجتمعية مؤسفة ترسخت وتصاعدت فى السنوات الأخيرة.. بل وتفاقمت خلال العام الأسود لحكم الظلاميين.. الأمر الذى يجعلنا بحاجة مُلحة وضرورية إلى الإصلاح والتصحيح بطرق جديدة ومبتكرة وعاجلة.
لقد رأينا خلال السنوات الأخيرة تراجعًا فى القيم يتطلب علاجًا شاملًا على كل الأصعدة.. كما رأينا تصعيدًا ممنهجًا للعنف ضد المرأة فى صورة تحرش واعتداء وتهميش.. وجاءت واقعة تعرية «سيدة الكرم» فى مايو الماضى ليأخذ العنف شكلًا مستجداًعلى مجتمعنا مما أسفر عنه استنكار المجتمع المصرى لهذه الواقعة.. والتى رفضها الرئيس السيسى فى تصريح واضح وصريح، بل إنه توج موقفه الداعم للمرأة المصرية بأن أعلن لنا إعلانًا تاريخيًا بأن عام ٢٠١٧ هو عام المرأة المصرية.
إن قلبى لايزال حزينًا على كل سيدة يتم الانتقاص من كرامتها أو من حقها فى الحياة الكريمة.. وقلبى بشكل خاص مع أم وزوجة وابنة الشهيد اللاتى فقدن عزيزًا لهن بسبب الإرهاب والتطرف.. قلبى حزين على سيدة الكرم التى تم تعريتها بأقصى صورة من المهانة والإهانة على مسمع ومرأى من الجميع.. ورغم ذلك تراجع الشهود وتوارى من رأى ومن سمع خشية على نفسه أو على أسرته.. ولم تجد النيابة أمامها – للأسف الشديد- شهودًا لإثبات الواقعة الأليمة إن سيدة الكرم ما هى إلا نموذج لواقعة كشفت ما يحدث من ممارسات متطرفة فى صعيد مصر.. لذا ينبغى أن نبحث فى كيفية معالجتها بحلول شاملة منا جميعًا حتى نتصدى ونقضى على جذور الفكر المتطرف من مجتمعنا.
أعتقد أننى لست وحدى الذى يتألم للجرح النفسى الذى أصاب السيدة المصرية سعاد ثابت التى تعرضت للتعرية الكاملة والسحل بقرية الكرم التابعة لمركز أبوقرقاص بمحافظة المنيا.. والتى تجتر أحزانها الآن بمفردها ودون أن يربت أحد على كتفها أو يواسيها.. فالعنف المُفرط والتمييز ضد أى سيدة مصرية.. هو أمر مرفوض.. ومن واجب أصحاب الفكر المستنير أن يتصدوا له.
علينا أن ننتبه إلى مايحدث حولنا وما يُحاك ضدنا فى نجوع وقرى محافظات مصر ضد كرامة النساء.. حتى لا تتكرر حوادث اضطهاد النساء مرة أخرى وبأشكال أكثر حدة وعنفًا.