فى الأسبوع الماضى ذهبت سبع سيدات، كن خليطا من الأكاديميات والناشطات، للقاء رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان الأستاذ محمد فايق، بخصوص وضع الأستاذ محمد مهدى عاكف الذى يحتضر فى سجنه وهو فى التسعين من عمره ومصاب بأمراض عدة بينها السرطان. كانت خلاصة الرسالة التى نقلنها أن بقاء الرجل بلا علاج فى السجن بحالته تلك أمر لا يجوز السكوت عليه بأى حال.. وأن مجلس حقوق الإنسان إذا لم يتدخل فى الأمر فإن ذلك يصبح نقطة سوداء فى تاريخه، ذلك أن بقاءه فى السجن فى هذه الظروف جريمة بحد ذاته، فضلا عن أنه لا يحتاج إلى علاج فقط، لكنه بحاجة ماسة إلى مرافق طوال ٢٤ ساعة لشدة ضعفه وعجزه عن الحركة، لذلك فلا بديل عن تواجد أحد أفراد أسرته معه، ثم إن الأسرة تتمنى نقله للعلاج على نفقتها فى أى مستشفى خاص. وهن يعرضن الموضوع، أبلغن الأستاذ فايق أنه إذا لم يفعل شيئا وبقى الحال كما هو عليه، فسوف يعتصمن فى مكتب مدير مستشفى قصر العينى (للسجن جناح هناك)، حتى يتخذ إجراء ينقذ حياة الرجل.
أحدثت الزيارة أثرها، إذ وعد الأستاذ فايق بالتدخل والاتصال بذوى الشأن، ومن الواضح أن الأمر تحسن قليلا بعد ذلك، بحيث أصبح الأمر أقل سوءا. إذ نقل الأستاذ عاكف إلى «الرعاية المتوسطة»، ثم سمحت الشرطة بنقله لمستشفى خاص.
أثار انتباهى تحرك السيدات السبع حين أقدمن على ما لم يفعله الرجال، وكنت قد لاحظت أن حملة إنقاذ حياة الأستاذ عاكف بدأتها الدكتورة رباب المهدى أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية. إذ أطلقت فى الأسابيع الماضية أكثر من نداء لإغاثة الرجل الذى تدهورت حالته الصحية وظل محروما من أى رعاية صحية، كأنما أريد له أن يموت ببطء فى سجنه.
لم يذهب النداء الذى تناقلته مواقع التواصل الاجتماعى هباء، إذ تضامن معها بسرعة آخرون من النساء والرجال. وإزاء استمرار تدهور حالة الرجل، فإن الدكتورة رباب وأخريات قررن تصعيد المطلب والانتقال من القول إلى الفعل وتشاورت فى ذلك مع بعض من تضامنوا معها. ومن ثم تشكلت المجموعة التى ذهبت للقاء رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، ونقلت إليه الرسالة.
الأسماء لم تكن غريبة علينا. إذ كانت وسائل الإعلام تشير إليها بين الحين والآخر فى سياقات مختلفة. فإضافة إلى الدكتورة رباب المهدى كانت هناك أستاذة كلية العلوم الدكتورة ليلى سويف والكاتبة أهداف سويف، ومؤسِّسات مركز النديم لمعالجة ضحايا التعذيب الدكاترة عايدة سيف الدولة وماجدة عدلى وسوزان فياض وأستاذة التاريخ وعضو لجنة الخمسين الدكتورة هدى الصدة.
إلى جانب الرسالة التى حملنها إلى الأستاذ فايق، فإنهن بما قمن به وجهن رسالة ضمنية أخرى إلى المجتمع أكدن بها حضور المرأة فى مجال العمل العام خصوصا فى مجاليه الحقوقى والنضالى. إذ إضافة إلى الحمل الثقيل الذى أصبحت تحمله آلاف المصريات من أمهات وزوجات المعتقلين، فثمة جيل آخر من المناضلات برزن فى أعقاب ثورة يناير. وقائمة أسمائهن طويلة، أذكر منهن مُزن حسن مديرة مركز «نظرة» للدراسات النسوية وعزة سليمان مديرة مركز «قضايا المرأة» وهبة عبدالجواد صاحبة «مبادرة فكرة» وهبة السويدى مؤسسة جمعية «أهل مصر» والمحامية راجية عمران عضو المجلس لحقوق الإنسان، والمحامية والناشطة ماهينور المصرى التى دخلت السجن مرتين، ولا أنسى المحامية شيماء الصباغ التى قتلت أثناء مشاركتها فى مسيرة سلمية فى ذكرى ثورة يناير العام الماضى (2016). وليس ذلك حصرا بطبيعة الحال لكنها مجرد نماذج تؤيد الحضور المشرف الذى أشرت إليه.
فى الثقافة العربية والإسلامية ثمة تفرقة بين الرجولة والذكورة، فالأولى قيمة والثانية جنس، ولأن الرجولة ارتبطت عند العرب بفضائل الشجاعة والمروءة والشهامة وغير ذلك، فلا يعد كل ذكر رجلا، لذلك عرفت العرب «المرأة الرجلة». وهو وصف أطلق على أم المؤمنين عائشة التى نقل عن النبى محمد عليه الصلاة والسلام قوله إنها «رجلة الرأى». وفى كتب التراث أخريات أطلق عليهن نفس الصفة. كما أن المصطلح أخذ مكانه فى مختلف معاجم اللغة العربية.
تحية للنساء الرجلات فى مصر.