لا يمكن للنساء المصريات وغير المصريات أن ينسين عام المرأة الاول الذي دعت اليه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975. ذلك العام الذي شهد أول مؤتمر عالمي يعقد خصيصا لمناقشة قضايا المرأة في الحرية والمساواة. وكانت الأمم المتحدة قد عقدته في المكسيك، أي في دولة نامية. ذلك العام الذي فتح صفحة جديدة في علاقة المجتمعات الانسانية بقضايا النساء ونقلها نقلة نوعية. فبعد أن كانت شاغل بعض النساء المتنورات في كل مجتمع باتت شاغل المجتمع كله حكومة ومجتمعا مدنيا ومثقفين. وبعد ان كانت قضية تهتم بشئون المرأة كأم وكزوجة وكربة بيت باتت قضية تدخل ضمن نسيج المجتمع وخطوات تقدمه. فبين قضايا المرأة وقضايا المجتمع علاقة اخذ وعطاء. المرأة عنصر مهم في التطور والتنمية كما أنها شريك أساسي في جني ثمارهما. ولا يمكن الفصل بينهما. كان ذلك هو الجديد.
لم يستمر عام 1975 عاما وإنما امتد لعقد.بدأ بالحرية والمساواة واتصلت حلقاته لتصبح حرية النساء والاوطان والتنمية والعدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص والمواطنة والمشاركة السياسية. كما بدأ بمؤتمر واحد في المكسيك، ولكن امتداده لعقد كامل جعله يضم عشرات الآلاف من اللقاءات الصغيرة والكبيرة في كل ارجاء المعمورة. كما بدأ علي لا أساس تنظيمي لينهي مهامه بإنشاء لآلية حكومية في كل بلد وكذلك في الأمم المتحدة تعني بدراسة والتخطيط ثم متابعة كل ما يخص قضايا المرأة لتقدم أعمالها للدولة لتستمر تتابع التنفيذ. آلية كالمجلس القومي للمرأة في مصر وإن أخذ اشكالا مختلفة حسب ارادة كل دولة.
ثم جاء عام 2017 ليخصص مساحة اجتماعية مرة أخري لدراسة قضايا المرأة والتطور بها، فماذا نحن، نساء ورجالا، ساعون لتحقيقه من طموحات للنساء المصريات في عام 2017 ،بعد مرور اثنين واربعين عاما من ذلك العام الأول الذي احتضنته الأمم المتحدة.
في البداية لابد من التذكير بأن أدبيات ونداءات والسياسات التي تتبعها الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة هي الدفع بالمرأة لتصبح شريكة أساسية ليس فقط في البناء والتنمية وإنما في إدارة شئون البلاد بمعني أن تتناصف المواقع والمراكز الوطنية بحيث يحتل كل نوع اجتماعي، رجل أو امرأة، نصفها. وذلك بحلول عام 2050. وهو ما بدأنا ملاحظته في بعض البلدان وإن كان لا يسير في خط مستقيم.
من هذه البداية لابد لنا أن نتحرك في خطوات قد لا تكون متسرعة ولكن لابد أن تكون ثابتة وتابعة لسياسات واضحة لمتخذي القرار السياسي ومنفذيه. كما أن من هذه البداية لابد أن نلاحظ جيدا أن البناء الاجتماعي للمجتمع قد يتخذ شكل الهرم. له قمة عالية ولكنها تستند علي قاعدة تتسع مساحتها وتمتلك مقومات الثبات بما يسمح لها بحمل هذه القمة العالية والحفاظ عليها. وكلما قويت هذه القاعدة استمرت القمة شامخة لا تطيحها العواصف والتقلبات. وتنطبق هذه الحالة علي أوضاع المرأة ليس فقط في مصر وإنما في كل البلدان المتقدمة أو النامية أو تلك التي يسمونها الصاعدة. لذا علي عكس المتصور من البعض منا أن أوضاع المرأة أو حالها، في اي بلد في مجال مقارنتها بأوضاع أو حالها في بلد آخر، لا تقف عند مجرد ارقام توجد في هذا الجهاز او ذاك قدر ما تمتد إلي فاعليتها في المجتمع ومساهمتها في التأثير علي تطوره. كما انها لا تقف عند مجرد القمة وإنما تمتد إلي القاعدة وحتي ما قبلها من اساس ثابت واضح مثل اميتها صحتها الانجابية نصيبها من صياغة الناتج الاجمالي القومي ونمو الدخل القومي، مشاركتها في السياسة، كما ونوعا، نصيبها من الثروة والملكية ومدي مشاركتها في القطاعات الاقتصادية المختلة. أي أن القاعدة النسائية العريضة هي أساس قياس معايير التقدم وليس مجرد عددها في القمة العلوية في المجتمع.
وفي مجال المقارنة بين أوضاع النساء في البلدان المختلفة فإننا لابد أن نلاحظ اننا حققنا الكثير من المكاسب للنساء المصريات عن طريق القرارات العلوية التي تعتبر تعبيرا حقيقيا عن طبيعة اصيلة للمجتمع السلطوي الأبوي الذي لا يستطيع ان يصبر ولا يقبل ولا يتصور ان يحدث التغيير من تفاعل المجتمع والصراع الفكري والثقافي فيه.أي من خلال التحول الديمقراطي. في مصر ناضلت النساء من اجل الحقوق في موجات متتالية ولكنها في النهاية تحصل علي تلك الحقوق بقرار علوي، قد يكون مفاجئا في أحيان كثيرة. أي أنها ناضلت مطالبة اعتراف الدولة ولكنها لم تناضل بالقدر الكاف لتعبئة القواعد النسائية. وهو وضع طبيعي في مجتمع لا يزال يناضل ويتصارع لتحقيق الديمقراطية. وينطبق ذلك علي حركة العمال والفلاحين وحتي علي حركة المهنيين وبالتالي علي حركات المرأة.
لذا عادة ما نقول، وكنا نقولها ونستمر نقولها، أن التوجهات العامة للدولة المصرية والتي كانت تصدرها لمصلحة النساء المصريات، تم إصدارها لمواجهة الخارج الذي بدأ يحاسب، ولكنها لم تصدر عن قناعة حقيقية ولا ثقافة أصيلة بقيمة النساء كقيمة انسانية متكاملة في مجتمعنا.
وهذا ما نلاحظه بشدة منذ مشاركة المرأة المصرية في ثورة 1919 سواء من جانب الحكومات أو من جانب الحركات النسائية الناشئة أو الاكثر تطورا. لذا علينا ونحن نستعد، وأتصور أن جهات عديدة قد بدأت في الاستعداد لأنشطة عام 2017، أن نرسم طريقا واحدا للاهتمام بالقاعدة النسائية العامة. فلا يكفينا ولم تعد تقنعنا، أو علي الأصح تقنع عددا منا، أن نطالب الحكومة بزيادة عدد النائبات في البرلمان أو أن نطالبها بتولي النساء لمواقع وزارية أكثر عددا قدر ما نحن في حاجة إلي تمكين القاعدة النسائية الواسعة في الحقل والمصنع والمتجر والادارات. في عامنا هذا لابد أن نتجه إلي المرأة حيث يوجد العمل والانتاج والنشاط الاقتصادي.
نعم، نتجه إلي حيث توجد المرأة الناشطة اقتصاديا في كل القطاعات، العام والخاص والصغير والكبير والمتوسط، في الزراعة والصناعة والخدمات. نريدها جزءا من العملية الانتاجية العامة. كما نريدها جزءا لا يتجزأ من النضال والصراع الديمقراطيين.
إن خروجها في 25 يناير و30 يونيو يثبتان وعيها الذي تجهر به لدي احساسها بالخطورة التي تلحق بوطنها. وعلي الجميع سواء الدولة او القيادات النسائية ومنظمات المجتمع المدني بكاملها أن تقتنع بضرورة التوجه إلي القاعدة النسائية التي ، إن تحقق تمكينها، ستفرز القمة النسائية، ولكن في هذه المرحلة سيتحقق جانب من ديمقراطيتنا.يقود تمكين المرأة دائما إلي تطور المجتمع.