لقد كنت من المشاركين في الحوار الذي دار بين الأستاذ ميشيل كيلو، ومجموعة من ناشطي المعارضة السورية في أستراليا. وللأمانة أقول: الحوارات والطروحات والمناقشات التي دارت في هذا اللقاء مسجلة بتفاصيلها، لكن ليس الهدف هنا هو السعي إلى تبيان صحة، أو عدم صحة ما قاله ميشيل كيلو، وما نفاه الشيخ الرفاعي الذي اتخذ من هذه الواقعة منصة لاستثارة غرائز بسطاء الفهم. إذ وردت عبارة " إسلامكم ما بيسوى فرنك " من قبل الأستاذ ميشيل كيلو، والتي أجزم وأؤكد أن الأخير لم يقصد بها إدانة الإسلام المعتدل، أو النيل منه، وهذا ما أكده الشيخ الرفاعي بنفسه في رده المسجل على الأستاذ كيلو في سياق ما وصفه
بـ " إسلام داعش وأذنابها " الذي يتبرأ منه " إسلام أهل الشام " والشيخ منه.
وليس من المفيد أن نتوقف عند عبارة باعثها الأساسي، وهدفها هو الحرقة، والحسرة، والألم الذي يعانيه كل حر وكل غيور، وكل صاحب نخوة، وصاحب ضمير على إسلام "أهل الشام" المعتدل، ولا شك لدي بأن الأستاذ كيلو، والشيخ الرفاعي ينتسبان إليه من دون ريب.
أما عن إسلام أهل الشام المشهود له بالاعتدال والحكمة و" نبذ الغلو" – ودائما بحسب الشيخ الرفاعي- فلا يخفى على عاقل، أو مراقب أنّ حاله قد آل إلى حالة من الانكفاء، والتراجع، وعدم الأخذ بالمبادرة الحقيقية التي يمليها عليه الواقع، والواجب الديني، والأخلاقي الاجتماعي على نحو عام. إذ أننا نعرف جيدا أن الشعب السوري، والإسلام المعتدل منذ ما يقارب النصف قرن يعيش حالة من القهر، والإذلال، وامتهان الكرامات على نحو غير مسبوق في العالم العربي، بل وفي العالم أجمع.
وليس من الحكمة أن نلقي بكل خرابنا، وتردي وسوء أحوالنا الذي وصلنا إليه بوجود إسلام لا يشبه "إسلام أهل الشام" المعتدل، والذي من دون شك بأن الشيخ الرفاعي، ومن يمثل منهم ينتمون إليه، ومحسوبون عليه، وهو النهج الإسلامي الذي نحبه، وارتضيناه نموذجا لنا في حياتنا حيث كان في الماضي، ولا يزال جامع المسلمين، والسوريين بكل تنوعاتهم الإثنية، والعرقية، والدينية، والطائفية، وصهرها جميعا في نهر الحب الوطني السوري الصافي المجرد.
لكن لا بد لنا هنا من أن نطرح التساؤل عاليا: لماذا السكوت على حكم حافظ الأسد، وابنه، وموبقاتهما طيلة النصف قرن الماضي مما أفسح في المجال لديكتاتوريتهما أن تتغلغل، وتتشبث، وتمسك بأرض وعلاقات ومصائر الشعب السوري الذي لا يعرف الطائفية، ولا التفريق بين إثنية، وطائفية، وعرقية، وإلى آخره، ثم إن جمعية أو مؤسسة " حفظ النعمة " التي أشار إليها الشيخ لا أعتقد أنها هي أعلى تجليات وطموحات " الإسلام الشامي" الذي ينتمي إليه الشيخ، ونؤيده بالطبع إذ أن معطيات كبيرة وكثيرة ومعقدة بحجم وطن وشعب يتعرضان إلى أبشع وأشرس دكتاتوريات في العالم، وتظل أطروحاتنا لا تخرج عن فهم وفقه مقولة " حفظ النعمة " إذ لا يتم تغيير وإزالة عتاة، وجبابرة إلا بقلوب مفعمة بحب الحرية للناس جميعا، وللنعم جميعا التي خلقها الله من بشر، وشجر وحجر ومياه وتراب، ورفض قاهريها والعمل على إسقاطهم بكل الوسائل المتاحة، وأعزها الدماء، والتخلي عن الترف الفكري، والجسدي الذي تتريه النعمة الفائضة في وقت يموت فيه نساء، وأطفال جوعا وبردا وحاجة إلى حبة دواء.