لبن العصفور هو الشيء الذي كان يضرب به المثل قديماً بين الحبيب وحبيبته؛ ليعبّر لها به عن حبه، ولكي يطلب رضاها، وأنه على استعداد لتحقيق المستحيل لأجلها ولأجل هذا الحب، وفعلياً لبن العصفور ليس خيالاً؛ بل هو شيء موجود، فهو إفرازات تشبه اللبن من العصفور الأب أو الأم يتم استرجاعها لفم العصفور الصغير، وهي ظاهرة موجودة في كل الطيور.
بغض النظر عن أننا اعتدنا على أن نظن أن إحضار لبن العصفور صعب ومستحيل، ولكنه المثل الوحيد الذي كان يتم تداوله ويدل على استحالة الشيء وصعوبته، ولكن شخصاً ما سيقوم بفعله لأجلك، والفكرة المأخوذة بأن هذا الشخص قد يفعل المستحيل لأجلك، فهل ما زال لبن العصفور المستحيل الوحيد الذي يقدمه الحبيب ليثبت حبه؟
ففي ذلك الزمان الذي اعتدنا فيه على سماع هذا المثل لم يكن إحضار الذهب مستحيلاً، ولم يكن الزواج صعباً كاليوم، ولم يكن تأمين منزل لعروسين جديدين مستحيلاً، ولم يكن شراء سيارة أو حتى تأمين بنزين للسيارة صعباً، فلم تكن الأوضاع المادية للناس بهذا الحضيض الذي نعيشه اليوم.
فاليوم إذا أردت إثبات حبك فليس من الضروري أن تحضر لبن عصفور، يكفي أن تستطيع إحضار لبن بقري لتسكت به جوعك وجوع مَن تحب، أصبحت المستحيلات لا تعد ولا تحصى، وأصبح تحصيل الأشياء البسيطة مستحيلاً، أصبح الشريك لا يريد من شريكه شيئاً لمعرفتهما بأن الأوضاع صعبة، وبأن المستحيلات من الصعب أن تتحقق.
سابقاً كان يقول الحبيب لحبيبته: "سأحضر لك لبن العصفور لو أردتِ"، أما الآن أصبح يقول الحبيب لحبيبته: "سوف أقوم بملء تنك السيارة بنزين لك يا حبيبتي"، فالمستحيل سابقاً يختلف تماماً عن مستحيل اليوم.
أصبحت كلمة الحب والاعتراف بمشاعرنا لمن نحب من أكبر المستحيلات أيضاً؛ لذلك أصبح الشخص لا ينتظر ممن يحب غير الاعتراف بمشاعره، فلم يعد لبن العصفور هو الشيء المستحيل لنضرب به المثل، فأصبحت كلمة حب أيضاً مستحيلة بإمكاننا أن نضرب بها أكبر مثل، فمن يحب حقاً في هذه الأوضاع المعيشية الصعبة لن يعترف بحبه لمن يحب لمعرفته بأن الحياة ستكون مستحيلة.