أقرَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعديلاً قانونياً مثيراً للجدل، يقضي بتخفيف العقوبات الجنائية على العنف المنزلي، بإزالة الصفة الإجرامية عنه.
التعديل الذي مرَّ على كلا مجلسي البرلمان الروسي قبل أن يوقعه الرئيس الروسي بنفسه يوم الثلاثاء 7 فبراير/شباط الجاري، أثار ضجَّة من النقاد الذين قالوا إنه يرسل برسالة خاطئة في بلد تلقَى فيه امرأة حتفها كل 40 دقيقة، بسبب العنف المنزلي وانتهاكاته، حسب بعض الإحصاءات.
ومن الآن فصاعداً، تتم معاقبة الأزواج الذين يضربون زوجاتهم أو أطفالهم ويصيبونهم بجروح أو نزيف، دون حدوث أي كسور بالعظام بالسجن لمدة 15 يوماً، أو الغرامة إذا لم يتكرر ذلك الفعل لأكثر من مرة واحدة سنوياً. وفي الماضي، كانت العقوبة لا تتجاوز السجن لمدة عامين.
حملة ضد القانون
تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الثلاثاء 7 فبراير/شباط 2017، نقل عن ألينا بوبوفا، الناشطة التي شنت حملةً ضد صدور هذا القانون، قولها، إن إقرار هذه التعديلات يكون مناسباً في حالة إقرار مشروع قانون يستهدف معالجة العنف الأسري بصفة خاصة. ومع ذلك، فقد تم وقف ذلك القانون، الذي ينص على صدور أحكام قضائية وغيرها من سبل الحماية في حالات العنف الأسري بالبرلمان، ومن غير المتوقع أن يتم إقراره.
وقالت إن "إقرار هذه التعديلات وعدم إقرار القانون يشير إلى أن مجتمعنا يرفض التعامل مع هذه المشكلة بجدية".
مؤيدو القانون
يرى مؤيدو القانون أنه يسد ثغرةً يتم من خلالها معاقبة أفراد الأسرة الذين يقترفون أعمال العنف بصورة أكثر حدة من أعمال العنف التي يقترفها الغرباء.
وذكرت أولجا بتالينا، عضوة البرلمان التي شاركت في صياغة القانون "المسألة لا تتمثل فيما إذا كان من الملائم ممارسة الضرب من عدمه. بالطبع، فإن الضرب أمر غير ملائم. ولكن القضية تتعلق بكيفية معاقبة المخالفين، وما الذي يتعين معاقبتهم عليه".
وقالت أولجا بتالينا، إن التعديلات ألغت ثغرة يتم من خلالها تشديد العقوبة على أفراد الأسرة.
فكرة مستحدثة من الغرب
ويزعم آخرون أن القانون يستهدف حماية التقاليد الروسية التي يتم بموجبها تقديس الأسرة. وذكر القس دميتري سميموف، رئيس اللجنة البطركية الأرذودكسية الروسية المعنية بشؤون الأسرة، خلال لقاء تلفزيوني، أن فكرة تدخل الدولة في شؤون الأسرة مستحدثة من الغرب. وقال إن "بعض الأمور التي تحدث حالياً في شمال أوروبا لم يكن هتلر ذاته يحلم بها".
وقد تكون بعض المناقشات الرئيسية حول النوع الاجتماعي والعنف الأسري في روسيا صادمة.
وتناول مقال صدر الأسبوع الماضي بقسم العلوم من مجلة كومسومولسكايا برافدا "مزايا" ضرب الزوجة. وقال "توضح الدراسات العلمية الحديثة أنه يحق لزوجات الرجال الغاضبين التفاخر بالجروح التي أصبن بها. ويذكر علماء البيولوجيا أن ضرب النساء يحظى بميزة قيمة تتمثل في إنجاب أطفال من الذكور!".
وذكرت بوبوفا أنه خلال احتجاجها بمفردها خارج البرلمان، تعرضت للسب والقذف من قبل العديد من الأشخاص. وزعم البعض أنها تلقت تمويلاً من حكومات غربية، بينما أخبرها آخرون أن بعض النساء يستحققن الضرب.
وتزامنت مناقشة مشروع القانون بالبرلمان مع مسيرات المرأة في واشنطن العاصمة وحول العالم، في أعقاب تنصيب دونالد ترامب رئيساً للبلاد، مما أثار نقاشاً أوسع نطاقاً حول مشكلة العنف الأسري ودور المرأة في روسيا المعاصرة.
ولم يتم تنظيم مسيرة رسمية في موسكو؛ ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى عدم الاكتراث وصعوبة الحصول على تصريح بتنظيم مسيرة من قبل السلطات الروسية. فقد رفضت السلطات إجراء مظاهرات ضد تعديلات قانون العنف الأسري مراراً وتكرارً.
نظمت مارغريتا جريجوريان، سيدة الأعمال الروسية التي نشأت في لندن وعادت مؤخراً إلى روسيا لافتتاح شركتها الخاصة، نظمت مسيرة قصيرة في أنحاء العاصمة الروسية شارك بها نحو 15 شخصاً. وقالت "شعرت باكتئاب حينما تمكن شخص ما كاره للمرأة من دخول البيت الأبيض، والتواجد في هذه البلاد. وشعرت أنني أرغب في الاحتجاج، ولكن لم يتم تنظيم أي مسيرة هنا".
وذكرت المحللة السياسية ماريا ليبمان أن الوضع المتعلق بأدوار النوع الاجتماعي في روسيا متناقض. وقالت "شهدت الحقبة السوفيتية مساواة بين الجنسين من خلال السلطات العليا. فقد حظيت المرأة الروسية ببعض الحقوق التي ناضلت من أجلها النساء في الغرب".
"ويعني ذلك أن أسلوب تطور العلاقات بين الجنسين كان مختلفاً، ولم تضطر المرأة الروسية مطلقاً إلى النضال من أجل الحصول على حقوقها. ونواجه حالياً من ناحية مشكلات كبيرة تتعلق بعدم المساواة في الأجور، وعدم مشاركة المرأة في الحياة السياسية، والعنف الأسري، ولكن هناك من ناحية أخرى عدد من النساء يشغلن منصب رئيس التحرير في العديد من وسائل الإعلام الرائدة يتجاوز عدد نظرائهن من الرجال، وهناك العديد من النساء يشغلن مناصب عليا بالبنوك على سبيل المثال".
"تعديلات مضللة"
وقد وقَّع نحو 300 ألف شخص التماساً قدمته بوبوفا لتنظيم مظاهرة ضد التعديلات، وحاولت حملة حديثة عبر شبكة الإنترنت تناول مشكلة العنف الأسري علانيةً. وقد شاركت آلاف النساء الروسيات من خلال هاشتاج #لا أخشى التحدث# بقصص التحرش الجنسي والعنف والاغتصاب التي تعرضن لها، عبر وسائل الإعلام. وأصاب تزايد أعداد القصص المروعة العديد من الروس بالصدمة، وفتح المجال أمام المناقشات. ومع ذلك، فإن هناك تفاوتاً كبيراً بين وجهات نظر الطبقة المتوسطة بالمدن الروسية والموقف في الأقاليم.
وقالت ليبمان: "هناك نسبة كبيرة من الشعب الروسي يرون أن التدخل في الشؤون الأسرية بمثابة قضية أخرى يحاول من خلالها الغرب فرض آرائه على روسيا".
وذكرت ماريا أليخينا من جماعة Pussy Riot الاحتجاجية، أن التعديلات القانونية كانت مضللة، وأن المجتمع الروسي والرؤى الروسية ككل هي التي تحتاج إلى التغيير للمساعدة على التخفيف من حدة العنف الأسري.
قضت أليخينا نحو عامين بالسجن جراء إقامة "صلاة الفسق" بالكاتدرائية الرئيسية في موسكو عام 2012، وقالت إنه ما بين ربع إلى ثلث النساء اللاتي التقت بهن في السجن قد تعرضن لتلك العقوبة، بسبب الاعتداء على أزواجهن الذين مارسوا العنف ضدهن.
وقالت "كنَّ نساءً تعرضن للضرب على مدار سنوات، ولم يكن أمامهن أي طريق يسلكنه. نحن لا نحصل على أي دعم اجتماعي ولا يتوافر أي دعم نفسي. ولذلك قمن يوماً ما بالفتك بأزواجهن وقتلهن".