"أجرأ الصبايا وأجمل الشباب" هكذا تصرخ المُذيعة بينما تصطف المُتسابقات للفوز بموعدٍ غراميٍ مع الشاب سعيد الحظ. ينزل الشاب إلى الأستوديو باستخدام مِصعد، قبل أن يتبختر على المسرح الذي تملأُ خلفيته قلوبٌ وامضة.
"نقشت"، التي تعني الفوز بموعدٍ غرامي في العامية اللبنانية، هو برنامجٌ يُعرض على قناة LBCI. و"نقشت" هو النسخة المحلية من Take Me Out (برنامج المواعدة البريطاني)، وأصبح أكثر البرامج إثارةً للجدل في لبنان، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
اجتاح البرنامج الشبكات الاجتماعية والقنوات المنافسة والصحف على حد السواء، وأثار جدلاً مُجتمعياً حاداً حول قيام النساء بإطلاق التلميحات الجنسية ومعاملة الرجال باعتبارهم أشياء مادية.
وباستثناء النسخ المحلية من برامجٍ مثل The Bachelorette، التي تعد بالزواج في سعادةٍ إلى الأبد، لا تُعرَض برامج مسابقات المواعدة على قنوات التلفاز في الشرق الأوسط المُحافِظ. لكن "نقشت" يُعتبر البرنامج الأول من نوعه، إذ أن هدفه الرئيسي الحصول على موعدٍ غرامي بينما يقوم المُتسابقون بالتلميح إلى ممارسة الجنس قبل الزواج.
"ينتهك الآداب العامة"
ويَعتبر الكثيرون أن مُشكلة البرنامج الرئيسية هي السطحية، لكن الُمحافظين الغاضبين قرروا رفع دعوةٍ قضائيةٍ تتهم البرنامج بـ"انتهاك الآداب العامة". وفي حال نجاح المُحافظين في مساعيهم؛ سيعني هذا تغريم قناة LBCI مالياً أو إرغامها على وقف إنتاج الموسم الثاني من البرنامج.
ودفعت هذه التصرفات ملحم رياشي، وزير الإعلام اللبناني، للتدخل وإعلان عددٍ من الإجراءات المُقترحة التي تفرض على البرامج التليفزيونية تغيير مُحتواها الذي يُعتبر خادشاً للحياء العام.
في "نقشت"، تقوم 30 سيدةً يرتدين الفساتين البراقة مُتزيِّنات في أجمل حلةٍ بالاستماع إلى عروض مُتسابقٍ واحدٍ من الرجال في كل حلقة. وتقوم السيدة التي أعجبها العرض بالضغط على الضوء الأحمر، ويتم ترتيب الموعد الغرامي بعد اختيار الرجل من بين آخر مُتسابقتين مُتبقيتين من النساء.
وأظهر "نقشت" حقيقة التناقضات الصارخة التي تُعاني منها الدولة الصغيرة في حوض البحر المتوسط. يشتهر لبنان بين جيرانه بكونه مكاناً للاحتفال وقضاء العطلة، وسط منطقةٍ تَعُجُّ بالصراعات والتَّحفُّظ الديني.
وفي بيروت؛ تتحول شوارع كاملةٌ إلى حاناتٍ عامةٍ بحلول المساء، حيث يُمكنك أن تشاهد أحدث صيحات الأزياء في كُل مكان.
وعلى الرغم من هذا، هناك العديد من القِيَم المُحافظة التي يتقاسمها الكثيرون من مُختلف الطوائف اللبنانية التي تشمل المسلمين والمسيحيين والدروز.
في إحدى حلقات البرنامج؛ تقول المُتسابقة إيبولا فضل الله ضاحكةً، أن عائلتها في مدينة زغرتا المسيحية يُمكن أن يقتلوا المرأة غير المتزوجة إذا اختلت برجلٍ.
يعتمد البرنامج بصفةٍ أساسيةٍ على الحِيَل والخداع. وفي إحدى الحلقات، اختار رجلٌ قوي البنيان "تغيير الملابس بسرعة" لتكون موهبته التي سيعرضها على المُتسابقات؛ ليقوم بعدها بالتعري ويُظهر عضلات بطنه القوية ويَقِفَ مُرتدياً ملابسه الداخلية فقط.
"مجتمع ذكوري"
فؤاد يمين، الكوميديان الذي يُقدِّم البرنامج، يستقبل المُتسابقات قائلاً "هاي صبايا" قبل أن يطلب منهن الالتفاف لإظهار فساتينهن. والمُتسابقات بدورهن يطلبن من المُتسابقين الشباب الأمر نفسه بغرض النظر إلى مؤخراتهم.
وقال أحد المُحامين المُشاركين في رفع الدعوى القضائية، وسام المذبوح: "لقد تخطوا كافة الخطوط الحمراء. هذا الانحلال الأخلاقي هو ما يُؤدي بنا إلى حالة الانحلال المُجتمعي القائمة. لقد كانت الأوضاع مُختلفةً في الماضي –أين ذهبت البرامج الثقافية التي كانت تجعلنا نُفكِّر بشكلٍ أفضل؟".
ودافعت بعض المُتسابقات عن البرنامج المُثير للجدل. وصرحت إيفونا، المُتسابقة المعروفة بإلقاء النكات، في أحد البرامج الحوارية: "المُشكلة الحقيقية هي أن مجتمعنا ذكوري. إذا قامت امرأةٌ جذابةٌ بإلقاء تلميحٍ جنسيٍ فهناك مُشكلة، أما إذا قاله رجلٌ فالأمر طبيعي. لذا أرى أن المجتمع يجب أن يُغير طريقة تفكيره".
ترى فيكي حبيب، الناقدة التليفزيونية في صحيفة، أن المُشكلة تكمن في نسب المُشاهدة وليس القيم الأخلاقية. فالقنوات اللبنانية تُعاني من أجل الحصول على مُشاهداتٍ أكثر في الوقت الذي يُعاني فيه المُعلِنون من أزمةٍ اقتصاديةٍ بسبب سنوات الحرب الطويلة في سوريا المُجاورة.
وتضيف فيكي: "هذا مُهم بالنسبة لهم (تقصد LBCI) لأنه يُحقق الكثير من الأرباح المادية. وخاصةً بعد الأزمة الاقتصادية التي جعلتهم يعانون من نقصٍ حادٍ في الموارد، ولم يعد باستطاعتهم الاعتماد على دعم الجهات السياسية، لذلك فهم يسعون جاهدين لسد هذا الفراغ".
تقود قناة MTV اللبنانية الحملة الشرسة ضد البرنامج الذي تصفه بـ"الإباحي"، لكن قناة LBCI تأمل أن تستمر في إنتاج "نقشت". ويقول بيار الضاهر، رئيس مجلس إدارة القناة، أن البرنامج مُستهدفٌ فقط بسبب نجاحه الكبير.
ويُضيف الضاهر: "البرنامج يهدف إلى الترفيه فقط، ولم يدّع تقديم عكس ذلك. سوف نذهب إلى المحكمة ونسأل القاضي أن يشرح لنا تحديداً ما هي الآداب العامة".