للدنيا وجهان أحدهما لطيف حنون و الآخر قاس ظلوم، عملة يصعب تصريفها، و قبلة مجهولة المعالم، بل درب من دروب المتاهات العالق.. إلا أنها و رغم ذلك تبقى ملاذ الإنسان الأمان و مضجعه الدافئ بالأسى و ما انتسى ، بآمالها و آلامها ، بحلوها و مرها ، بحنانها و قسوتها..
يصعب على جلنا إذ لم نقل كلنا المضي قدما، فمنا من له الشجاعة على مواجهة الصعاب و مكابدة الآهات بل و الاستمرار في ظل المعاناة حتى الوصول إلى بر النجاة و اقتناص كل الأهداف.. إلا أن الكثيرين يهزمون منذ الجولة الأولى، فيختارون الرحيل عبر قطع تذكرة سفر بعيد؛ سفر إلى وجهة مجهولة المعالم، آفاقها من المظالم، رياحها العاتية تطمس كل هوية بادية و تهز كل عزيمة أبية..
نتساءل : لماذا اختارتنا الحياة ؟ لماذا هذا العبث في الأقدار؟ لما نحن من وقع عليهم الاختيار بين كل الأنام ؟
أسئلة من هنا و هناك ، و أفكار تتضارب بيننا و بين الذوات ، حتى أصبحت هاجسا يمنعنا من المضي قدما، بل باتت حاجزا يحول بيننا و بين مختلف التطلعات و تلك الأمنيات الشامخات التي لطالما رسمناها و سعينا لبلوغها رغم تنوع الصعاب .
نعجز عن إيجاد جواب منطقي فلا نستطيع سوى ذرف دموع على خيبات الأمل؛ فيض دام على عثرات أبت أن تغتفر و على ذكريات أقسمت أن تصاحبنا مدى الحياة ، لنظل سجناء في دوامة لا تكاد تفك طلاسمها .
بدايتنا كانت صيحة ولادة، ووسط حياتنا خليط من ألم ماض و حب حاضر و تطلع مستقبل زاهر، و نهايتنا صرخة وداع على أحلام ضاعت و أمان أجلت و تطلعات عابرة حطمت..
إنها تذكرتنا النهائية إلى أعقاب عالم جديد حيث الهناء و عيد و السعادة هي مرقدنا الهنيء.