بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد. وبعد:
"يبدو أن عام 2030 سيكون حافلاً بتغييرات جذرية مرتقبة، حسب رؤية الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة، فهو العام الموعود الذي تتحقق فيه رؤية الأمم المتحدة "تحويل عالمنا: جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة" التي أطلقت في أيلول/سبتمبر العام الماضي ، ومن ضمنها القضاء على الفقر بجميع أشكاله وتحقيق المساواة بين الجنسين. وتتضمن 17 هدفاً منها التعليم الجيد.
"اليوم، ومع إطلاق إطار العمل الخاص بالتعليم حتى عام 2030، وافقت حكومات عبر العالم على كيفية تجسيد وعد للتغيير على أرض الواقع". بهذه الكلمات افتتحت المديرة العامة للمنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو، إيرينا بوكوفا، الاجتماع الذي عُقد على هامش فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين للمؤتمر العام لليونسكو في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
لا شكَّ أن البشرية اليوم ، تحتاج حقاً إلى من ينقذها من براثن الجهل والتجهيل، فملايين الأطفال محرومون من التعليم في أنحاء العالم بسبب الفقر والحروب والسياسات الحكومية الفاشلة. وذلك حسب تقارير الأمم المتحدة على مدى السنوات الأخيرة. حيث إن واحداً من بين كل ثلاثة أطفال خارج المدرسة يعيش في دولة متأثرة بنزاع. وفي 35 دولة تصنف على أنها الدول الأكثر تاثراً بالعنف، يتعرض 65 مليون طفل بين سن 3 و 15 عاماً إلى خطر خسارة فرصة التعليم. وبحسب البيانات الواردة في التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع في تموز/ يوليو 2015 ، يزيد احتمال ترك الشابات اليافعات في المناطق المتأثرة بنزاعات للمدرسة في المرحلة الثانوية بنسبة 90% مقارنة مع نظيراتهن في الدول الأخرى.
رغم كثرة الإحصائيات والتحذيرات بشأن انتشار حرمان الأطفال من التعليم ، والدعوات لإصلاح أنظمة التعليم، وبذل مزيد من الجهود لأجل توفير التعليم الأساسي على الأقل، للمحرومين في مناطق النزاع والمناطق النائية التي تعاني الفقر، إلا أن هذه الدعوات تبقى مجرد طاحون هواء لا تنتج. فلا أنظمة التعليم تحسنت، ولا الفقراء استطاعوا تعليم أبنائهم وبناتهم. بل تزداد الحروب ويزداد حرمان الفتيات والصبية من حقهم في التعليم في مناطق كثيرة نتيجة الحروب التي تغذيها وتشنها الدول الاستعمارية الكبرى، ويزداد الفقراء فقراً، ولا يظل إلا صدى شعارات حقوق المرأة والطفل في التعليم .
فالرأسمالية بكل منظماتها لم تنتج سوى الجهل والدمار . فهذا أنثوني ليك المدير التنفيذي لمنظمة اليونيسيف يقول في مقال له بعنوان:"جيل ضائع من الأطفال المحرومين من التعليم": على الرغم من أن أعداد الأطفال المتأثرين بالنزاعات وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، فإن تمويل التعليم في حالات الطوارئ يبقى متدنياً للغاية. ففي سنة 2013 خصص، أقل من 2% فقط من المساعدات التي قدمت لحالات الطوارئ لصالح فرص التعليم والتعلم. انتهى قوله . وشهد شاهد من أهلها!
لكن المثير للشفقة أن الأمم المتحدة لا تيأس! فعشرات السنوات منذ ظهور المبدأ الرأسمالي، وألوف الفتيات المحرومات من التعليم، لم تكن كافية لتُريهم أن سياساتهم فاشلة ولا تحقق ربع الأهداف التي تُرسم في كل اجتماع جديد ،ولا تساوي قيمتها الحبر الذي كُتبت به. آلاف الدراسات من أخصائيي تربية، ومنظمات حقوقية ومتنفذين في سلك التعليم عن ضرورة تعليم الفتيات وما يحققه تعليم النساء من ازدهار وتنمية اقتصادية. لكنَّ الكلام شيءٌ والفعل شيءٌ آخر. فكل الرؤى المتعلقة بتعليم المرأة تنبع من بوتقة النظرة المادية، وفشل المنظرون في أطروحتهم المسماة "think out of the box" أو التفكير خارج الصندوق؛ فكل حلولهم مستقاة من نظريات المساواة التامة بين الجنسين العقيمة ، وكأن المساواة هي مصباح علاء الدين الذي بمجرد مسحة سيخلص كل نساء العالم من الفقر والحرمان من الحقوق الأساسية والتهميش والمهانة التي عانين منها في قرن ويزيد من الزمان
يقوم البنك الدولي، ومنظامت الأمم المتحدة المختلفة كاليونسكو واليونيسيف وغيرها بدراسات دورية كل سنة عن أعداد المحرومات من التعليم من النساء، وتُعقد الاجتماعات، وتسن القوانين واللوائح والتشريعات لأجل إعطاء المرأة حقها في التعليم. لكن الحديث كلَّه يدور حول تأكيدات على وجوب تعليم النساء، وليس على كيفية توفير فرص التعليم. وصل الإنسان للقمر ولا تزال الاجتماعات تناقش حق التعليم للمرأة، وإذا ما صدر قرار لخطوة جديدة في مسيرة الألف ميل، تصبح رأياً بعد عين لا تغادر ملفات الاجتماع.
وهذا كلامهم بألسنتهم يدينهم : »في الأول من يناير/كانون الثاني عام 2006، استفاق العالم على موعد نهائي قد فات. فقد بقي هدف التنمية الألفية: التعادل بني الجنسين في التعليم الأساسي والثانوي بحلول نهاية عام 2005 ،من دون أن يتحقق. ما يبعث على الإحباط هو أن ذلك الموعد النهائي كان هدفاً واقعياً يمكن تحقيقه. وتكمن مأساةُ هذا الفشل في العدد الذي لا يمكن تخيله من الأطفال، وغالبيتهم من الفتيات، ممن تركوا لمواجهة مستقبلٍ غامض « من تقرير اليونيسف (2005 )حول منجزات النوع الاجتماعي وآفاق التعليم: تقرير الفجوة [الجزء الأول]، نيويورك: اليونيسف، ص 4. ويقدم تقرير برنامج "التقدم من أجل الأطفال" تحليلاً مقارناً لكل منطقة، موضحاً أن أعظم الإنجازات في معدل الزيادات السنوية في المشاركة المدرسية في السنوات العشرين الماضية تحققت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بزيادة بلغت 1.4 للأولاد و 1.2 للفتيات.
تُعلي الرأسمالية من القيمة المادية، بل تكاد تكون هي القيمة الوحيدة في المبدأ والمسيرة لعقول أهله. فجُلُّ المعاملات تقوم على المنفعة والمصلحة، وحتى الجمعيات الخيرية وُجدت لأجل إزاحة العبء المادي عن الدولة. وهكذا تسيطر النظرة النفعية على المبدأ والقائمين عليه. وليس التعليم إلا جزءاً من هذه المنظومة وتتأثر النظرة له بالنظرة النفعية. فحرص الرأسماليين على المرأة وتعليمها نابع من ضرورة مساهمتها في الدخل القومي ! حيث "وجدت الدراسات التي قام بها البنك الدولي بوجه إجمالي، أن سنة واحدة إضافية من التعليم الابتدائي أعلى من المتوسط يرفع معدل الأجر النهائي للفرد بنسبة 5-15%، مع تحقيق عائدات بصورة عامة للفتيات أعلى من الفتيان. وأن سنة واحدة إضافية من التعليم الثانوي إلى أعلى من المتوسط يرفع معدل الأجر النهائي للفرد بنسبة 15-25%، أعلى للفتيات من الفتيان ." تي. بول شولتز. 2002. "لماذا ينبغي على الحكومات أن تستثمر أكثر في تعليم الفتيات." التنمية العالمية 30 . كما ذكر تقرير أبحاث السياسة للبنك الدولي عن المساواة بين الجنسين والتنمية، أن زيادة عدد النساء اللواتي يحصلن على التعليم الثانوي تنمي معدل الدخل الفردي ". وبعد هذا تُطرح على الساحة قضية تعليم المرأة في الإسلام وتهميش الإسلام للمرأة وظلمه لها، باستغلال بعض المعتقدات والعادات الخاطئة التي يمارسها المسلمون، وذلك رغم غياب دولة الخلافة التي تطبق الإسلام على أرض الواقع. ويتم تجاهل الواقع المزري الذي تعيشه المرأة في ظل الرأسمالية حيث مئات من الفتيات محرومات من التعليم، ويتم تجاهل إهمال الأنظمة بحق شعوبها وعدم وجود بنى تحتية وتمويل كافي ليُسلَّط الضوء على زواج القاصرات أو تعدد الزوجات كمنطلق لمحاربة أحكام الإسلام.
إنَّ كلَّ الجهود المبذولة لأجل توفير فرص أكثر لتعليم النساء حول العالم لا تصب إلى في خانة إدانة الغرب، وإظهار عورته وسوأة الرأسماليين الذين يهدرون الوقت في التنظير بينما في كل لحظة هناك ألوف من النساء يخسرن فرصاً جديدة في الحصول على تعليم جيد. وذلك بسبب السياسات العقيمة التي تنفذها الدول الغربية والقائمة على شيطنة الآخر وفرض النظرة الغربية . فهذه نجاة بلقاسم، وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث في فرنسا، فإنها قالت، في افتتاح الجلسة في نوفمبر الماضي: "إن الاقتناع الذي تسترشد بها سياساتنا إنما يتمثل في أن أوجه عدم المساواة ليست أمراً محتوماً. أما المسؤولية الملقاة على عاتقنا فهي أن نسعى لكي لا تشكل خلفية الطلبة عائقاً أمام آفاق تعليمهم وفرصهم المستقبلية". كما أنها أبرزت أهمية التعليم من أجل تحقيق المواطنة العالمية، مشيرةً إلى الدور الأساسي للمدارس في مكافحة التطرف وتعزيز القيم الخاصة بالحرية والتسامح وعدم التمييز. هذا في الوقت الذي تحارب فيه بلادها المسلمات وتفرض عليهن الاختيار بين الحق في التعليم أو التمسك بشعائر العقيدة الإسلامية !